أخبار لبنانية

الحرب في أوكرانيا… لبنان أكثر المتضرّرين

تعرّض الإقتصاد اللبناني خلال السنوات الثلاث الماضية لثلاث ضربات متتالية أصابته في الصميم وعجلّت في انكشاف نظامه الهشّ ووساهمت في إنهياره. فالضربة الأولى كانت في إنهيار القطاع المصرفي يوم تمّنع لبنان عن تسديد ديونه الخارجية والداخلية. وقد سبق ذلك “إنتفاضة 17 تشرين الأول”، وما تلاها من مظاهر إحتجاجية شعبية إنعكست في شكل غير مباشر على الحركة الإقتصادية، خصوصًا بعما إندّست في صفوف الإنتفاضة “عناصر تخريبية” عملت على تشويه المطالب المحّقة لـ”الإنتفاضة”. الضربة الثانية كانت بإنفجار مرفأ بيروت المدمّر الذي ضرب مرفقًا حيويًا وشّل الحياة في جزء كبير من العاصمة، وأطاح الحكومة بعدما ساد جو عام من عدم الإستقرار.
الضربة الثالثة تمثّلت بجائحة “كورونا” وما تركته من آثار سلبية على العالم ولبنان، وبالأخصّ على الحركة الإقتصادية والسياحية والإجتماعية.
ولم يكن ينقص الإقتصاد اللبناني سوى ضربة رابعة وموجعة متمثلة بالحرب في أوكرانيا وتداعياتها السريعة على إقتصادنا الذي يعاني في الاساس من وضع منهار وهش ولا يتمتع بمقّومات الصمود والقدرة على التعاطي مع أزمة عالمية داهمة، وهو في الوقت نفسه يحاول إحتواء أزمته الداخلية والصعود من القعر عبر مفاوضات مع صندوق النقد الدولي وخطة تعافي اقتصادية. فالحرب الروسية ـ الأوكرانية جاءت وسط أكثر الأزمات خطورة في لبنان، إذ دخل المسار الإقتصادي مرحلة الإنهيار شبه الشامل قبل أكثر من سنتين، وعليه أن يتحّمل ما لا طاقة له على الإحتمال نتيجة تبعات ما يحصل اليوم في أوروبا الشرقية، خصوصًا أن الدول، التي كان من الممكن أن تمدّ إليه يد المساعدة، بالكاد تستطيع أن تساعد نفسها، وهي غارقة في مشاكلها الداخلية وغير مهتمّة بمشاكل الآخرين، على طريقة “كل مين يقبع شوكو بإيدو”.
فالمشكلة متشعبة ولها أكثر من منحى، ولا تتعلق حصرًا بتأمين مصادر الإستيراد أو وسائل التوريد أو التمويل فقط، بل هي كل هذه الأمور مجتمعة. فإيجاد وسائل إمداد جديدة للقمح والطاقة بات صعبا جدًا مع إرتفاع الطلب العالمي الذي انعكس إرتفاعًا في الأسعار تجاوز 100 دولار للطن الواحد. لكن المشكلة تبدو أبعد من ذلك. فحتى لو تمكن لبنان من تأمين التمويل بالدولار للحصول على الكميات اللازمة، فإن شراء القمح من روسيا أو من أوكرانيا قد اصبح متعذرًا، فيما الإستيراد من أميركا أو كندا يتطلب أسابيع عدة لوصول هذه الكميات، أي بعد نفاد المخزون المتوافر حاليا. ولبنان، شأنه شأن كل الدول العربية، على أبواب شهر رمضان المبارك الذي يشهد ارتفاعًا في الطلب على الخبز واللحوم والخضار والفاكهة والبطاطا والدجاج وسواها من المنتجات ، والتي ارتفعت أسعارها للأسباب المعروفة، من بينها إرتفاع الطلب العالمي أو بسبب إرتفاع كلفة الشحن من البرازيل والأرجنتين للحوم مثلًا، أو بسبب إرتفاع كلفة الأعلاف للمواشي والدجاج.
كل ذلك يأتي في ظل وضع كارثي يعيشه لبنان، لتضاف إلى مشاكله مشكلة اضافية. فأسعار المشتقات النفطية من بنزين ومازوت ستُترجم زيادة في أكلاف الإنتاج والنقل، وبالتالي إرتفاعًا في أسعار المنتجات والسلع الغذائية، وستنعكس سلبًا أكثر من السابق على معيشة اللبنانيين. فوضع لبنان أمام هذه الأزمة مختلف كثيرًا عن غيره من الدول التي تشبه وضعيتها إلى حدّ كبير وضعيته. هو كان ولا يزال يعاني من أزمات إقتصادية ومالية قبل نشوب الأزمة الروسية – الأوكرانية. وهو بلد غير مكتفٍ ذاتيًا، ويستورد أكثر بكثير مما يصدّر، وكان يعتمد على إقتصاد ريعي قائم على الخدمات المصرفية والإستشفائية والتعليمية والسياحية ما لبث أن إنهار مع إنهيار القطاع المالي.
لذلك فإن ما تحاول الحكومة القيام به، من خلال الإجراءات السريعة والإستثنائية، هو الحفاظ على الحدّ الأدنى من مقومات الصمود والتقليل من أضرار هذه الكارثة قدر المستطاع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock