أخبار عربية ودوليةاقلام وافكار حرة

تركيا تحتفي بالقاتل الإسرائيلي: هانحنا عُدنا شركاء!

بحفاوة بالغة، ووسط اعتراض وحيد من «حزب السعادة»، استقبل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، نظيره الإسرائيلي، إسحاق هرتزوغ، مُعلِناً «فتح صفحة جديدة» في العلاقات بين الجانبَين. وإذ تتفاوت تقديرات الطرفَين لما يمكن جنْيه من هذه العلاقات، فالأكيد أن أنقرة تتطلّع من خلالها إلى التخلّص من الأزمة الاقتصادية التي ترزح تحتها، فضلاً عن كسب تل أبيب إلى جانبها في المعركة المحتدمة على مصادر الطاقة. وفي الصورة الأعمّ، يبدو أن ثمّة تَوجّهاً أميركياً لإعادة لملمة الحلفاء، بما يفيد في سدّ النقص الذي سيخلّفه انكفاء واشنطن النسبي عن المنطقة، خصوصاً في مرحلة ما بعد الإحياء المُتوقّع للاتفاق النووي. وأيّاً يكن، فالثابت أن تركيا عادت إلى قواعدها الأصلية في ارتباطها بإسرائيل، وهو ما يجلّيه، مثلاً، غياب القضية الفلسطينية عن حديث إردوغان، إلّا من زاوية الترويج لأعمال «وكالة التنمية التركية»!

احتفت صحافة حزب “العدالة والتنمية” بزيارة الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتزوغ، لتركيا، بــ«أفضل» ما تكون الحفاوة، إذ احتلّ خبر الزيارة العناوين الرئيسة لتلك الصحف، مع إشادة عالية بـ”الصفحة الجديدة” التي فُتحت بين البلدين، وما قد تسفر عنه من نتائج، خصوصاً على صعيد الطاقة. ويكاد عنوان “مرحلة جديدة بدأت بين تركيا وإسرائيل” يسري، حرفياً، على جميع الصحف المؤيّدة للحزب، من “حرييات” إلى “ميللييات” و”يني شفق” و”صباح” و”تركيا” وغيرها. وأفردت هذه الجرائد مساحات واسعة لتغطية الحدث، على الرغم من انشغال الأتراك بهمومهم المعيشية، والعالم بلقاء وزيرَي خارجية روسيا وأوكرانيا، أمس، في أنطاليا. وما كان لافتاً أيضاً، الرسائل “الحميمة” التي رافقت زيارة هرتزوغ ولقاءه نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، حيث جرى تزيين الطائرة الرئاسية التي أقلّت الأوّل بالأعلام التركية والإسرائيلية، وبعبارات بالعبرية والتركية والإنكليزية حول “السلام والأخوّة، والتعاون والمستقبل”، ورسوم أغصان الزيتون. وفي القسم الخلفي في الطائرة، ظهرت رسوم لجامع آيا صوفيا، وبرج غالاطا، ومضيق البوسفور. كذلك، عكس الاستقبال الرسمي التركي في قصر “بش تبه” في أنقرة، اهتماماً بالغاً بالزيارة وتعويلاً كبيراً عليها، في مساعدة تركيا في تجاوُز العديد من مشكلاتها الحالية، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية وعلاقتها مع الغرب. وكم كانت لافتة تلك الخيول التي حملت الأعلام التركية والإسرائيلية، وهي تخبّ في باحات القصر الرئاسي وممرّاته.

الزيارة التي جاءت بعد 14 عاماً على آخر زيارة لرئيس إسرائيلي لتركيا، انتهت أمس، بعدما استغرقت يومين تخلّلهما إطلاق العديد من المواقف المهمّة. واختصر إردوغان لقاءه مع هرتزوغ، في اليوم الأول، بالقول إنها “زيارة تاريخية، وتشكّل نقطة تحوّل في العلاقات التركية – الإسرائيلية”، مضيفاً أنها تعكس أهمية تطوير العلاقات بين البلدَين، بالاستناد إلى “المصالح المشتركة من أجل الاستقرار في المنطقة”. وأشاد إردوغان بتنامي العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل، والتي ازدادت 36% في عام 2021، لتصل إلى حوالى 8.5 مليارات دولار، معرباً عن ثقته بأنها ستصل في نهاية العام الحالي إلى عشرة مليارات دولار. وشدّد على أهمية التعاون في مجال نقل الطاقة من إسرائيل إلى أوروبا، عبر تركيا. وقال إن بلاده مصمّمة على “مواصلة محاربة النزعات المعادية للسامية”، مشيداً بالعلاقات بين الأتراك واليهود عبر التاريخ. واعتبر الرئيس التركي أن الزيارة تشكّل “فرصة لحلّ المشكلات الإقليمية”.

 

بدا رئيس حزب «السعادة» تيميل قره ملي أوغلو شبه وحيد في الاعتراض على زيارة هرتزوغ

 

 

بدوره، أعرب هرتزوغ عن سعادته البالغة، هو وزوجته، لزيارتهما تركيا. واستشهد بقصيدة عنوانها “عن الحياة” لناظم حكمت، قارئاً مقطعاً منها يتحدّث عن التوق للحياة، وإمكانية زراعة الزيتون حتى في سنّ السبعين، وعدم الخوف من الموت.

وبينما بدا لافتاً اكتفاء إردوغان بالإشارة إلى القضية الفلسطينية من زاوية توقّعه أن تدعم إسرائيل مشاريع “وكالة التنمية التركية” لمساعدة الشعب الفلسطيني، وتشديده على ضرورة التوصّل إلى تسوية على أساس “حلّ الدولتَين”، مع المحافظة على الوضع الحالي للمسجد الأقصى، لم يُشِر الرئيس الإسرائيلي، في المؤتمر الصحافي، إلى هذه القضية، لا من قريب ولا من بعيد. واتّفق الرئيسان على زيارة قريبة لوزيرَي الخارجية والطاقة التركيَّين لإسرائيل، لـ”تفعيل التعاون في مجال الطاقة والتعاون الإقليمي”. كما توقّعت الصحف التركية أن يتبادل الطرفان السفراء قريباً جدّاً. وفي وقت تَنظر فيه الصحافة الإسرائيلية إلى الزيارة، على أنّها تؤسّس لعلاقات شخصية بين إردوغان وهرتزوغ، وتُسهم في إذابة الجليد، تركّز وسائل الإعلام التركية على أهمية “التعاون” في مجال الطاقة ونقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا، كما في مجال التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي، واستخراجه في شرق المتوسط.

أمّا الصحف المعارِضة لإردوغان، فلا ترى في الزيارة سوى محاولة من الرئيس التركي لتعويم نفسه، من خلال توسيع سياسة الانفتاح، من أجل ضخّ المزيد من الأموال في الاقتصاد التركي، والخروج من الضائقة التي تعاني منها البلاد، كما من العزلة الخارجية التي تجد نفسها فيها. وهي محاولة بدأت بالانفتاح على الإمارات، وربما قريباً على السعودية، فضلاً عن مصر. لكن بعض الصحافة الإسرائيلية اعتبرت أن إسرائيل لن تقيم علاقات جيّدة مع تركيا، على حساب علاقاتها الجيّدة جدّاً مع اليونان وقبرص الجنوبية، وهو الأمر الذي تقصّد هرتزوغ الإشارة إليه، من خلال زيارة قام بها قبل أسبوعين لأثينا ونيقوسيا، قبل أن يزور تركيا. حزبياً، بدا رئيس حزب “السعادة”، تيميل قره ملي أوغلو، شبه وحيد في الاعتراض على زيارة هرتزوغ، التي استبقها بالقول إن المشكلة تكمن في أن “مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تدعمه تركيا، ينسجم بشكل كامل مع مشروع إسرائيل الكبرى”. ورأى أن الزيارة تأتي في ظرف غير مناسب، متسائلاً: “كيف يمكن لرئيس دولة مارس الظلم على شعب بكامله أن يأتي لزيارة تركيا؟”. واعتبر أن كلّ همّ الغرب، اليوم، أن تطبِّع الدول الإسلامية مع إسرائيل، مؤكّداً أنه “في مثل هذا المناخ، لا يمكن القبول بزيارة هرتزوغ لبلادنا”. وأضاف قره ملي أوغلو، أن إردوغان “يتحمّل مسؤولية كبرى في أن يضع يده بيد قاتل لا تزال دماء المسلمين على يديه”. وكادت صحيفة “ملي غازيتيه”، التابعة لحزب “السعادة”، تنفرد، أيضاً، بالتنديد بالزيارة، إذ عنونت صفحتها الأولى بالقول: “القاتل يحطّ في أنقرة”. وتساءلت: “كيف يمكن لجنود الجيش التركي المحمّديين أن يحملوا بيدهم العلم الإسرائيلي؟”.

محمد نور الدين – الاخبار

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock