اقلام وافكار حرة

غبار المعركة يغطي ما عداه

حبيب البستاني-

كل ما طال عمر الفراغ كل ما طالت الأزمة، وازداد معها ارتفاع حدة الخطاب السياسي، وكأن الغلبة هي لصاحب الصوت الأعلى أو للذي يحدث جلبة أكبر لا أكثر ولا أقل. وكل فريق بات يعد العدة لأبواقه الإعلامية ومن وراءها من مأجورين وكتبة همهم الوحيد البيع والشراء، وكأن البلد سوق نخاسة كبير و”كل مين إيدو إلو” وكما يقال بالدارج هو موسم “وهيي فيلة” وأصبح فيها كل شيء مباح فلا محرمات ولا مقدسات ولا مرجعيات، فيختلط الحابل بالنابل ولا احد يريد أن ينادي على زيته عكر.
زيارة البطريرك ورسائل الفاتيكان وفرنسا
بالرغم من الرسائل الإيجابية التي حملها غبطة البطريرك، وبالرغم من الإيجابية والانفتاح الذي تعمل من خلاله بكركي، وذلك باعتماد سياسة مد الخطوط مع الجميع وذلك بدون استثناء اي مكون سياسي أومرجعية دينية، فإن مبادرة البطريرك لم تلق الآذان الصاغية حتى تاريخه، حتى أن البعض حمًلها أكثر مما تحمل واعتبرها موجهة ضده، وراح يطلق النار عليها، ولم يكلف نفسه التمييز بين مبادرة إنقاذية يقودها غبطته وبين مطلق موقف سياسي ياخذه هذا الفريق أو ذاك. كل ذلك لمحاولة الحد من زخم المبادرة ومحاولة فرملتها لا بل إلغاءها، وكأن المطلوب معركة كسر عضم سياسية وليس العمل من أجل تفاهمات بين مختلف الأفرقاء من اجل الاتفاق على رئيس يرضى عنه السواد الأعظم من اللبنانيين وتؤيده معظم الكتل النيابية إن لم يكن كلها. فهل طويت صفحة التفاهمات وهل دخلنا في أتون الاصطفافات؟ وهل من الممكن إنتاج رئيس في هكذا أجواء؟

جلسة الانتخاب ومدلولاتها
قد يعتبر البعض أن مجرد تعيين الرابع عشر من حزيران موعداً لعقد الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية يأتي في سياق الضغوط الخارجية لحث كل الأطراف على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية، وذلك في ظل تلويح الإدارة الأميركية بالعقوبات على المعرقلين، ولكن هل هذا ما رمى إليه رئيس المجلس من وراء تحديد الموعد؟ وما هي حظوظ نجاح هذه الجلسة في انتخاب الرئيس العتيد؟
في الشكل وبعد تقاطع المعارضة زائد التيار الوطني الحر على إسم جهاد أزعور، وتمسك الثنائي بترشيح فرنجية، أصبحت ظروف المعركة الانتخابية مهيأة مع وجود مرشحين اثنين معلنين. ولكن يبقى السؤال هل المطلوب معركة؟ وهل يمكن لهكذا معركة أن تنجح وتفرز رئيس؟
لقد بات واضحاً أن ما من أحد من المرشحين الإثنين يملك أكثرية الأصوات في المجلس النيابي، وبالتالي باتت جلسة الرابع عشر من حزيران وكأنها جلسة جس نبض وعد أصوات لا اكثر ولا اقل، وإذا حدثت الجلسة في هكذا أجواء فإن احتمال المواجهة “الكبيرة” بين الثناثي الشيعي والثنائي المسيحي ومن معهما قد تنتج شرخاً قد يصبح من الصعوبة بمكان إعادة اللحمة، اما إذا حدثت الجلسة وتم اللجؤ إلى الأوراق البيضاء كوسيلة لاحتساب العد، أي معرفة أصوات كل فريق، فإن ذلك من شأنه تخفيف حدة التوتر وذلك بتحسين شروط الاشتباك إن لم يكن بتغييرها.
الأزمة مكانك راوح والرئيس عون يحاول كسر الجدار
من الواضح ان البلاد قد دخلت في النفق المظلم، وذلك بدون أي أفق سياسي واضح للحل، وباتت كل المبادرات الداخلية والخارجية في حكم المجمدة، وبتنا وكأن اللبنانيين متروكون لقدرهم و”اقتلاع شوكهم بأيديهم” وباتت الأخطار تتهدد الوطن من كل حدب وصوب، فبقاء السوريين الذي يثقل كاهل اللبنانيين واقتصادهم بات له حماته الأقوياء في الخارج الذين يعملون لدمج السوريين في لبنان، واصبحت ملاحقة الفاسدين وعلى راسهم حاكم المركزي لها حماتها من اللبنانيين الذين يسخرون كل طاقاتهم في سبيل حماية سلامة ومن معه، كذلك تبدو الانتخابات الرئاسية ومعها الحلول الموعودة بعيدة المدى. في ظل هذه الأجواء الضبابية جاءت زيارة الرئيس عون للرئيس الأسد وذلك في محاولة لفتح ثغرة في جدار الأزمة ومحاولة وضع الحلول على السكة الصحيحة. وإذا كان صحيحاً أن زيارة فخامته لم تكن فقط للبحث في موضوع الرئاسة، فإن موضوع لم شمل اللبنايين ووحدتهم وضرورة تفاهمهم في سبيل إنتاج الحلول كانت من صلب الزيارة. فهل يحجب غبار المعركة ما عداه أم أن هنالك “للصلح مطرح”؟ اللبنانيون محكومون بالتفاهم والمطلوب من الجميع العمل في سبيل ذلك.
كاتب سياسي-

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock