صيدا والجنوب

رمضان صيدا بين وجهي الفقر والغلاء… ومبادرات الخير والتكافل الاجتماعي

يعكس شهر رمضان المبارك هذا العام وجهين متناقضين لتداعيات الازمة المعيشية المتفاقمة التي تفتك بلبنان منذ أربع سنوات، وجه الفقر والبؤس والغلاء البشع وغير المسبوق الذي ينغّص على المؤمنين فرحهم بالصوم مع عجزهم عن تأمين كفاف العيش، ووجه التكافل الاجتماعي، الذي يتمثل بمبادرات الخير الفردية والجماعية لتعوض عن غياب الدولة في كثير من المحطات.
وصيدا التي تعتبر مدينة رمضانية بامتياز، تعيش تداعيات الأزمة بأشكالها المختلفة، حيث تئنّ الكثير من العائلات الفقيرة والمتعفّفة من إرتفاع الأسعار ارتباطا بالدولار الاميركي، مع اجماع في المدينة وصالوناتها السياسية والاجتماعية بانه رمضان الأصعب على الناس، بعدما حُجزت أموالها وفقدت ما تبقى من مدّخراتها وتدنّت قيمة رواتبها، فاضطرت إلى التخلّي عن الكثير من العادات لجهة أصناف الطعام والشراب والحلوى التي تصاحب عادة هذا الشهر الفضيل، في إعادة متكررة لترتيب سلم الأولويات بعد التخلّي كليا عن الكماليّات وغالبية الضروريات، اذ طارت اللحوم والدجاج وبعدها الحبوب والخضروات واليوم بات صحن الفتوش مُهدّداً بالغياب.

ويقول مختار “حي الكنان” أحد أحياء صيدا القديمة، خالد السن لـ”النشرة” ان الوضع مأساوي، ولا يمكن مقارنة رمضان هذا العام بالسابق، ففي عام واحد انهارت قيمة العملة الوطنية وإرتفعت الأسعار عشرات الاضعاف، ما حرم كثير من العائلات من أبسط مقوّمات العيش الكريم، وأسقطت العُرف السائد منذ عقود أن رمضان يعني صحن “الفتوش”.

ولم يخف المختار السن، ان العائلات الفقيرة لجأت إلى التقشّف القسري، ولم تعد تشتري الا الضروري جدا، وتحسب ألف حساب لأي نوع من الكماليات، فتغيب عن موائد الصائمين كل أنواع الحلويات والشراب وحتى اللبنة والجبنة والمناقيش والفول، وتقتصر على قليل من الطعام وعلى صنف واحد دون سواه ولسد الجوع فقط”، مؤكدا ان قرار هؤلاء عدم مدّ اليد والتأقلم مع الواقع المرير مهما كان، على أمل أن تنفرج الازمة الإقتصادية قريبا ويلتقط لبنان أنفاسه من جديد.
مقابل وجه الغلاء، تحضر مبادرات الخير الفردية والجماعية لتجسّد جانباً من روحانية الشهر الكريم بالتكافل الاجتماعي. لكنها لم تسلم بدورها من الضائقة المالية، فتراجعت في أعدادها وبعدد المستفيدين وبنوعيّة التقديمات وأصبحت مرّة واحدة فقط بعدما كانت تتكرر مرة ومرتين وثلاث، وذلك بعد غياب الافطارات الجماعية، أو وجبات الطعام اليومية الساخنة، أو توزيع الحصص التموينية والغذائية”.
ويقول مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان في رسالة رمضان انه يعود علينا في ظل الضائقة الإقتصادية والمعيشية وهول الفقر والعوز والحاجة.. لقد وصلت الأمور الى حافة الانهيار والانفجار… هذا الشعب الصابر الصامد حتى وصل الى ذل التسول والطلب والحاجة… اذا كان الغني يشكو فماذا يفعل الفقير. خافوا الله وغضب الناس في هذا الأيام الصعبة”.

وتوجه المفتي سوسان إلى “العائلة الصيداوية الكريمة” بالقول “كنا وما زلنا نحرص على التكافل والتكامل الاجتماعي والانساني، هذا رمضان يطلب من الغني أن ينظر إلى الفقير فيعطيه بدون منّة والكبير يعطف على الصغير ويساعده بدون رياء وتشهير، رمضان لا يريد ان يرى أرملة أو يتيما أو مسكينا يتسول او يجوع، رمضان يقول فطر صائما، اطعم جائعا، قم بكسوة يتيم، واحفظ كرامة أرملة في بيتها. ونبي الرحمة الذي خصه الله في القرءان بأعظم وصف فقال فيه وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. يقول ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء”.
وبين الوجهين، تحاول فاعليات المدينة النيابية والبلدية والجمعيات الأهلية والمؤسسات الاجتماعية المحافظة على وجهها الرمضاني، من خلال المواظبة على تنظيم النشاطات الدينية والفنية ضمن فعاليات “صيدا مدينة رمضانية”، وتزدحم ساحات وحارات “البلد” ومعها خان الافرنج في مشهد يختلف عن لياليها وعن مختلف المدن اللبنانية الاخرى، وتحولت الأزقة القديمة بدء من ساحتي باب السراي وصولا الى ضهر المير، الىمنبر مفتوح يعج بالساهرين في اروقتها وداخل مقاهيها الشعبية وخاناتها التراثية ومتاحفها التاريخية، في مشهد يعوض غياب مظاهر الزينة التي حضرت متواضعة في سوق صيدا التجاري بانتظار اضاءتها مع الايام العشر الاخيرة من الشهر الفضيل، مع فتح المحال والمؤسسات التجارية ابوابها استعدادا للاحتفال بعيد الفطر المبارك وشراء ماتيسر من احتياجاته الضرورية.

ويقول قائد مفوضية الجنوب في جمعية الكشاف المسلم رامي بشاشة، ان الجمعية تواظب على “مطبخ الجود” للعام الثالث على التوالي بدعم من بنك الغذاء اللبناني وأصحاب الأيادي البيضاء، بهدف توزيع إفطار للصائم على العائلات المتعففة في مدينة صيدا وضواحيها بمعدل خمسمئة وجبة يوميا. وتقوم بتنظيم الانشطة الدينيّة في ساحة ضهر المير، كي تعوض على الناس بعضا من الفرح الذي ضاع بين في متاهات الأزمات الاقتصادية والمعيشية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock