متابعة مباشرة

«الأزمة» في عيون اللبنانيين (ليست) واحدة

يختصر اللبنانيون التغيّرات الطارئة على حياتهم منذ نحو ثلاث سنوات بعبارة «منذ بدأت الأزمة». يقولونها بأسى متشابه، إلا أنّ لكلّ منهم تفاصيله التي يصف فيها تداعيات الأزمة عليه، بحسب الفئة العمرية أو المستوى الاقتصادي والاهتمامات الشخصية، وطبعاً المسؤولية الملقاة على عاتقه. فما هي الأزمة في نظر عدد من اللبنانيين؟ أين يجدونها، ومتى يشعرون بثقلها؟
أم علي (ربة منزل): المشي للتوفير
تدور أم علي بين «سحّارات» الخضر محتارة في اختيار طبخة اليوم نظراً لارتفاع الأسعار. «تخلّينا عن اللحمة، فهل نطبخ لوبياء من دون بندورة، أو بامياء من دون بامياء؟»، تتمتم بصوت مسموع. تقترب منها لتسألها إن كانت تجد الأزمة الاقتصادية في محال الخضر، فتردّ: «الأزمة ترافقنا مثل خيالنا، في كلّ مكان، وفي جميع الأوقات، حتى في الجمعات العائلية والصبحيات صارت الأزمة حديثنا الوحيد».
تشرح: «أرى الأزمة في بداية كلّ شهر من خلال الفواتير التي لا سقف لها، تكفيك فاتورة اشتراك الكهرباء، نكبة بحد ذاتها. كما أجدها في كلّ محل أقصده من خلال الأسعار الصادمة التي ترتفع باستمرار وانقطاع السلع وتبدّل العلامات التجارية على الرفوف».
تختار اللوبياء، ترميها في الكيس، وتتابع: «الأزمة تعني أن أضطر وأنا في الستينات للمشي مسافات طويلة لأوفر كلفة المواصلات، وأن أقف في الصف لأشتري ربطة خبز وكأني أشحدها».
سيرين (تلميذة مدرسة): أن لا أشتهي شيئاً
أنهت سيرين الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة، ونجحت بدرجة جيّد. توقعت أن تكون عطلتها الصيفية واعدة ومليئة بالنشاطات بعد عام دراسي «متعب»، لكن «الأزمة الاقتصادية بدّلت كثيراً في حياتنا، حتى صرنا حبيسي البيوت لا نعرف كيف نقضي وقتنا بعدما افتقدنا إلى وسائل التسلية الباهظة الثمن، عدا عن كلفة المواصلات التي نحسب لها ألف حساب».
الأزمة، بحسب سيرين، هي «ألا يعود بمقدوري الذهاب في مشاوير نهاية كل أسبوع وشراء الثياب دورياً كما جرت العادة من قبل». كانت في مدرسة خاصة مجاورة لمنزلها إلا أن الأزمة ذاتها ستحرمها من متابعة دراستها الثانوية فيها لأنه «لا قدرة لأهلي على دفع أقساطها أو أقساط أي مدرسة خاصة أخرى، وفي حين لسنا متأكدين ما إذا كانت المدارس الرسمية ستفتح أبوابها في العام المقبل أشعر بأن لعنة الأزمة وصلت إلى حدّ تهديد حقي في التعليم أيضاً».
تغمض عينيها، لا تفكر طويلاً قبل أن تعترف: «الأزمة تعني بشكل أساسي أن أرغب في شراء حاجيات، لكنني لا أطلبها لأنني أعرف أن ظروف الأهل لا تسمح فهم غير قادرين إلا على تأمين الأساسيات، وأن أتناول المجدرة التي لا أحب وأتوقف عن طلب الأطعمة الجاهزة».
بديع أبو شقرا (ممثل): الضغط النفسي
لدى سؤاله عما تعنيه الأزمة بالنسبة إليه، يخطر على بال الممثل اللبناني بديع أبو شقرا أولاً «التهديد الوجودي لعالم الفن الواسع، بما فيه التمثيل، المجال الأساسي للحرية والتقدم». كيف يحصل ذلك؟يجيب: «من خلال البطء في الإنتاج الفني المحلي جراء فقدان السيولة، وتأثر الإنتاج الفني المشترك مع دول عربية نظراً لافتقاد لبنان إلى مقومات الحياة التي تشكل الأرضية الأساسية للتصوير». أما الممثل اللبناني، «فلم ترحمه سهام الأزمة أيضاً»، إذ «يحصل على بدلات متدنّية لأن أرباب العمل يجدون الحياة في لبنان رخيصة إذا جرى قياسها بالدولار الأميركي من جهة، ويجدون أن اللبناني يرضى ببدلات بخسة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة من جهة ثانية».
على الصعيد الشخصي، يؤكد أبو شقرا أن «الممثلين يعيشون الأزمات كما يعيشها اللبنانيون، بفارق أننا نستعرض حياتنا كجزء من التسويق لأعمالنا وتعزيز صورتنا». تغيّر نمط حياته بسبب الظروف الاقتصادية الضاغطة، قلّل من سفراته واستبدلها بالسياحة الداخلية، وقلّل ريادة المطاعم الفاخرة والسهرات مستبدلاً إياها بالسهرات في المنزل. لا يرى في ذلك مشكلة بقدر ما يخاف من «أثر الضغط النفسي والإحباط الذي قد يسبّبه العجز عن تأمين الخدمات الأساسية».
محمد فحص (صيدلي): الرفوف الفارغة
بينما نسأل الصيدلي محمد فحص عبر الهاتف: «كيف يرى الأزمة الاقتصادية»؟ يقاطعنا المرضى والزبائن أكثر من مرة. يسألون عن الأدوية والمراهم، يستفسرون: «أديش يعني بالدولار»؟ وتصلنا إجابات الصيدلي: «هناك بديل، وهذا مقطوع». فيصبح سؤالنا حول الأزمة عبثياً، يختصرها الصيدلي بالقول «الأزمة يعني أن نصير مثل الروبوت الذي يردّد: مقطوع، مدعوم، وبديل».
الأزمة في نظره هي «انقطاع الأدوية، واختلاف أسعارها بين صيدلية وأخرى وجنونها الذي يصدم الناس وقد تصل إلى مليون و400 ألف، ما ينتج عنه محارجات كما لو أننا نبيع الخضر أو الثياب، علماً بأن الصيدلية تقع في الروشة ويفترض بزبائنها أن يكونوا من الميسورين». ومع أنه لطالما كان هناك أدوية بديلة إلا أن الأزمة «أحدثت هوة كبيرة بين أسعار الأدوية فقد يصل الفرق إلى 400 ألف أحياناً، الـproxen مثلاً هو مسكن ألم ومضاد التهابات ثمنه 380 ألفاً، هناك بديل عنه سعره فقط 95 ألفاً».
يصف الأزمة بأنها «الرفوف الفارغة من بعض الأدوية وحليب الأطفال الذي نُسأل عنه باستمرار»، وهي «ألا نعرف متى يرفع الدعم عنها». أما الأزمة «بأسوأ مظاهرها» فهي التي «فتحت مجال التهريب وعدم الالتزام بالقانون في قطاع الصيدلة، وأنتجت تجار الشنطة الذين يعرضون علينا العمل سوياً».
صاحب مطعم: تحدّي الاستمرار
يرى صاحب المطاعم والمقاهي الأربع التي تحمل اسم 77 الأزمة «مواجهة مستمرة مع التحديات التي كادت أن تتغلب علينا في الكثير من الأحيان وتؤدي إلى إقفال كلّي في غياب أي خطط واضحة أو مساعدات من جانب الدولة».
الأزمة الاقتصادية، برأيه، هي مروحة من الأزمات «تبدأ من أزمة المحروقات وغيابالطاقة الكهربائية وارتفاع كلفة الطاقة البديلة. وتمرّ بفقدان المواد الأولية الغذائية وظهور أخرى بجودة متدنية، ما يضطرنا إلى تكبّد مصاريف إضافية في سبيل الحفاظ على أفضل نوعية. ولا تنتهي عند أزمة المصارف واحتجاز ودائعنا وتضخم الأسعار وارتفاع فاتورة الخدمات»…
في سبيل الصمود، «أطلقنا شعار: العروضات عنا ما بتخلص والعروضات بلّشت من عنّا والباقي بيقلّدنا». ينقل «مخاوفه من اشتداد الأزمة»، إلا أنه يشعر بالمسؤولية تجاه عدد لا يستهان به من العاملين الدائمين والموسميّين والمياومين. لذا، يجد الأزمة على أنها «سعي دائم للاستمرار والحفاظ على العاملين وتحسين أوضاعهم».
المصدر| زينب حمود – الأخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock