صيدا والجنوب

صيدا وجزين تحاسبان: هويّة جديدة؟

احتفل الجو الوطني في صيدا بفوز أسامة سعد وعبد الرحمن البزري بالمقعدين السنيّين في المدينة في دائرة صيدا – جزين. تعدّدت دوافع الاحتفال بالنتيجة التي أعادت بوابة الجنوب 18 عاماً إلى الوراء. في الانتخابات البلدية عام 2004، انتصر تحالف سعد – البزري كاسراً نفوذ تيار المستقبل في المدينة في عزّ حضور الرئيس رفيق الحريري. لكنه لم يدم طويلاً. ترأّس البزري البلدية خلفاً للحريريين قبل أن يستعيدها المستقبل منذ عام 2010. قبلها بعام، سبقته خسارة سعد النيابة أمام الرئيس فؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري. منذ ذلك الحين، واجهت القوى الوطنية تحدّيات وجودية مفصلية كانت أقساها ظاهرة أحمد الأسير. استعادة تحالف سعد – البزري لخوض الانتخابات النيابية الأخيرة، استفادت من غياب الحريري عن المشهد. لكنها تشكل تحدياً لاستعادة دور المدينة على مستوى الجنوب ولبنان.

«هلق رجعت صيدا معروف ونزيه»، يقول صاحب محل سمانة في إشارة إلى الثنائية التمثيلية التي تمثّلت في احتلال معروف سعد ونزيه البزري مقعدَي صيدا لدورات متتالية. الرجل السعيد بفوز «رمزَي الجو الوطني» آملاً أن يدوم تحالفهما داخل المجلس وفي متابعة شؤون المدينة، وألّا يختلفا سريعاً كما حصل بعيد صدور نتائج عام 2004. عدا عن القوى الوطنية واليسارية التي دعمت سعد، تحلّقت حول البزري قاعدته الثابتة (تبلغ حوالي 3500 صوت) إضافة إلى عدد من العائلات المؤيدة لبهية الحريري وعدد من المجنّسين. أما مرشح «جو الحريري» يوسف النقيب، فقد كانت خسارته لافتة إذ لم ينل سوى 4 آلاف صوت تفضيلي ونيف. رئيس ماكينة تيار المستقبل السابق في صيدا دفع الثمن على أكثر من صعيد: أولها إحراج «الست بهية» ما منعها من تجيير قوة وازنة لمصلحة النقيب، علماً بأن عدداً من مناصريها منح سعد حوالي 1500 صوت تفضيلي. وثانيها المحاسبة الصيداوية له بسبب تحالفه الانتخابي مع القوات اللبنانية، مع الإشارة الى أن الجماعة الإسلامية التي وعدته بتجيير كتلتها الناخبة البالغة حوالي 3500 صوت لم تتمكن من إقناع كل عناصرها بالتصويت، فاقترع كثر منهم للائحة سعد – البزري.

أفرزت انتخابات 2022 زعامة تفضيلية أولى للبزري الذي عوّض عن هزائم متتالية لحقت به منذ وراثته لزعامة والده في انتخابات 1992. أداؤه في إدارة ملف جائحة كورونا أدخله إلى كل بيت، فضلاً عن استعادته للمئات من مناصري عائلته الذين تسرّبوا الى الحريرية. استغناء سعد والبزري عن الأحزاب الوازنة لم يكن رهاناً خاسراً. إلى جانب فوزهما المحتّم في ظل عتبة حاصل بلغ أقلّ من 13 ألف صوت، تمكّنا من الحصول على مقعد ثالث باحتساب الكسر الأكبر. إذ حسم فرز أصوات ناخبي بلدة بنواتي (ذات الغالبية السنية في قضاء جزين) النتيجة لمصلحة المرشح الماروني شربل مسعد (980) في مقابل زميله على اللائحة نفسها كميل سرحال بفارق أصوات قليلة.

لكن المفاجأة الكبرى كانت في «التسونامي» القواتي الذي ورث «التسونامي» العوني في جزين. حظيت القوات بمقعد ثان باحتساب الكسر الأصغر. فما الذي تبدّل في المزاج؟
عند الدخول إلى قضاء جزين من بوابة كفر جرة، يطغى الأحمر على الجانبين. على كثير من مداخل المنازل وشرفاتها، نصب أصحابها خيماً انتخابية للقوات الأحد الماضي. الولاء في شرقي صيدا أو ساحل جزين أقرب إلى معراب منه إلى الرئيس ميشال عون الذي ينحدر من المكنونية، إحدى بلدات القضاء. الانتخابات البلدية الأخيرة عكست هذا الولاء. مع ذلك، تقرّ ماكينة القوات بأن دراستها للواقع الانتخابي جعلها تركّز على المعركة الأسهل على المقعد الكاثوليكي. ووفق مصادر، تمّ الاتفاق على صب الأصوات التفضيلية للمرشحة غادة أيوب (حصلت على حوالي 8 آلاف صوت)، فيما تصبّ أصوات مدينة جزين وعين مجدلين لمصلحة المرشح الماروني مسؤول القوات في القضاء سعيد الأسمر. ساد الظن بأن فوز إبراهيم عازار بأحد المقعدين المارونيين مضمون بدعم من ثنائي حزب الله وأمل، على أن يذهب المقعد الماروني الثاني من نصيب التيار الوطني الحر بشكل شبه محسوم. لكن عوامل سلبية عدّة أعاقت فوز عازار والعونيين، فاستفاد القواتيون من فارق الحواصل بين اللوائح، مصطادين مقعد أسمر بحوالي ألف صوت فقط. بالنسبة إلى عازار، لم يكن كافياً صبّ «البلوك» الشيعي له من جبل الريحان للفوز. على غرار انتخابات 2018، حظي بحوالي 7 آلاف صوت تفضيلي، أضيفت إلى حوالي خمسة آلاف صوت تفضيلي حصل عليها من مسقط رأسه الجزيني (نال 11 ألفاً و600 صوت).

بعد أربع سنوات، لم يبق من الخمسة آلاف أكثر من ألف فقط (نال حوالي 8 آلاف بأقل من حوالي 500 صوت عن العتبة). تشير مصادر إلى أن «انتقادات عدة سيقت إلى أداء عازار الخدماتي إلى جانب انغماسه في كتلة التنمية والتحرير في ظل تنامي شدّ العصب المسيحي من قبل القوات والتيار على السواء»، علماً بأن الكثير من القواتيين أيّدوا عازار في الدورات الماضية «نكاية» بالعونيين. ومع وجود الأصيل، تحوّلوا عن الوكيل. أما العونيون، فقد «عوقبوا نيابة عن العهد القوي ووزرائه ودفعوا ثمن الأزمة الاقتصادية. إضافة إلى انتقادات طالت أداءهم النيابي والبلدي». إلا أن العاملين الرئيسيين للخسارة «الخلافات الداخلية بين مرشحي التيار، أمل أبو زيد وزياد أسود، وعدم وجود حليف وازن في صيدا لرفد لائحته بحاصل كما في دورة 2018 عندما تحالف مع الجماعة الإسلامية والبزري». وبحسب مصادر، «تسود حال غضب بين عونيي جزين، ولا سيما أنصار أسود الذين هددوا بالاستقالة من التيار محمّلين رئيسه جبران باسيل مسؤولية الخسارة بسبب انحيازه لأبو زيد في المعركة». الغضب طال صيدا أيضاً لأنها «سلّمت جزين للقوات»، في إشارة إلى رفدها برافعة من خلال النقيب. الغضب الأكبر طال حزب الله الذي رفض دعم التيار بجزء من أصوات الريحان، وقرر تجيير «البلوك» في صيدا وجزين لمصلحة لائحة عازار – نبيل الزعتري.

«وجه جديد لجزين»، يفاخر أحد مناصري القوات بالفوز المدوّي. يقول إن عروس الشلال «تعرف كيف تحاسب. عام 2009، حاسبت آل عازار الذين سلّموا المنطقة للرئيس نبيه بري، وأعطت فرصة للعونيين. وبعدما فشلوا في الاختبار، أعطت فرصة للقواتيين للمرة الأولى في تاريخ جزين». لم تصل لائحة التيار الى العتبة. أبو زيد نال حوالي 5 آلاف صوت تفضيلي (الرقم نفسه حصل عليه في 2018) في مقابل ثلاثة لأسود (نال عام 2018، حوالي 7 آلاف صوت) و500 لسليم الخوري.
امال خليل – الاخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock