صيدا والجنوب

المسجد العمري الكبير في صيدا

يقع الجامع العمري الكبير في مدينة صيدا على تلة مرتفعة تطل على البحر من الجهة الغربية للمدينة القديمة, إلى الشمال من مدرسة المقاصد الخيرية الإسلامية بالقرب من الحمام المعروف باسم (حمام الورد).

وللمسجد مدخلان, الأول من الجهة الشرقية ينفذ إليه من خلال ممر متصل بشارع يعرف باسم شارع ضهر المير (الأمير) بين مبان لمدرسة المقاصد في الجهة الجنوبية, وأخرى سكنية في الجهة الشمالية من الممر. أما المدخل الآخر وهو المدخل القديم فيقع في المواجهة الشمالية للمبنى بالارتداد شرق الرواق الشمالي المطل على الصحن ويؤدي إلى ساحة يطلق عليها حارة الجامع.
اختلفت المصادر التاريخية حول بناء السجد العمري الكبير وتاريخه فمنهم من قال إنه كان معبداً لعبادة الشمس ومنهم خالف ذلك وقال بأنه كان كنيسة, ومنهم من ذكر بأنه لم يكن كنيسة بل كان حصناً عسكرياً بناه فرسان الإسبارتية عام 1260م.

وجاء في كتاب دليل معالم صيدا الإسلامية ما يلي:

تذكر المصادر الغربية, وكتب الرحالة الغربيين, أن بناء المسجد العمري الكبير يعود إلى العهد الصليبي, ويشير منير خوري في كتابه (صيدا عبر حقب التاريخ) إلى المسجد العمري بناه فرسان القديس يوحنا عام 1260 ميلادية, تكريماً لشفيعهم, كما يشير الرحالة (كوندة) إلى بناء المسجد العمري فيقول: “أذن بارونات صيدا في سنة 1260م. لمنظمة فرسان القديس حنا الإسبارتية ببيت المقدس أن يقيموا بيتاً للإسبارتية على الصخور المطلة على الجانب الغربي من ساحل صيدا”.

نقل جميع الدارسين الذين كتبوا عن المسجد العمري الكبير عن المصادر الغربية, فأرجعوا تاريخ بناء المسجد العمري الكبير إلى العهد الصليبي, وأنه كان في الأصل كنيسة ثم حول المسلمون الكنيسة إلى المسجد.

يستبعد أن يكون المسجد العمري قد بني في العهد الصليبي, أو أنه بني ليكون كنيسة وذلك للمعطيات التالية:

تذكر المصادر الغربية أن بناء المسجد يعود إلى عام 1260 م. يذكر المقريزي أن المسلمين انتزعوا صيدا من الفرنج سنة 647هـ/ 1250م. بعد حصار وقتال وتم ذلك 25 ربيع الآخر سنة 647 هـ وتولاها من قبل الملك الناصر صلاح الدين, صاحب حلب ودمشق سعد الدين بن نزار. فصيدا إذاً منذ عام 1250 م. كما يذكر المقريزي, عادت إلى السيطرة الإسلامية, ولم تعد خاضعة للصليبيين.

الدراسة التي وضعها الدكتور صالح لمعي مصطفى, أستاذ التراث الحضاري الإسلامي في كلية الهندسة المعمارية التابعة لجامعة بيروت العربية, وخلص فيها إلى النتيجة التالية: “أما القول بأن حرم الجامع هو مبنى الكنيسة السابق, فلا يمكن تأييده لاختلاف مسقط الصالة عن كنائس فترة العمارة القوطية المبكرة, وكذلك عن عمارة عصر الرومانسك المتأخر سواء في المسقط الإشعاعي, أو المتدرج, إضافة إلى عدم وجود حنية المذبح أو تحديد مكان الخورس.

الأب هاني فرنسيس, راعي كنيسة المية ومية للروم الكاثوليك, يقول إن حائط الكنيسة الشرقي يكون مغلقاً دون نوافذ وإن كان لا بد من نوافذ, قتكون النوافذ داخلية, وبشكل مستطيل لتوضع عليها التماثيل وصور القديسين, بينما في أعلى الحائط الشرقي من حرم المسجد نافذة دائرية الشكل.

وأكد الدارسون أن المسجد العمري الكبير كان قائماً قبل دخول الصليبيين إلى صيدا, وأدلتهم على ذلك هي:

لقد زار الرحالة ناصر خسرو مدينة صيدا عام 437 هـ/1047م. أي قبل بدء الحروب الصليبية بحوالي نصف قرن , وتحدث عن مسجد صيدا.

من خلال دراسة بناء المساجد في مدينة صيدا ومن خلال اللوحات المنقوشة في المساجد, والتي تؤرخ لبناء كل مسجد, إن أقدم مسجد في صيدا يعود تاريخ بنائه إلى عام 598هـ/1208م. وهو تاريخ بناء مسجد باب السراي وبعد ذلك التاريخ نشطت حركة بناء المساجد في مدينة صيدا, ولقد افتتح المسلمون صيدا عام 15هـ . فخلال هذه الفترة الطويلة التي تزيد على الخمسة قرون في أي مسجد كان المسلمون يقيمون شعائرهم الدينية؟.

كان المسجد العمري الكبير – في الأصل- معبداً لمدينة صيدا منذ القدم, وقد بني ليكون معبداً للشمس, وتؤكد صحة ذلك النافذة الدائرية الشكل في أعلى الحائط الشرقس من حرم المسجد, والتي تسمح لنور الشمس أن يغمر القاعة. ويروي المعمرون في المدينة أن المسجد العمري الكبير كان معبداً للشمس, ثم تحول إلى كنيسة في عهد البيزنطيين, ثم حول إلى مسجد بعد الفتح الإسلامي لمدينة صيدا, وأطلق عليه اسم الجامع العمري الكبير نسبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب, رضي الله عنه, الذي كان خليفة المسلمين في هذا العهد.

إن أقدم لوحة تاريخية موجودة في المسجد العمري الكبير هي تلك اللوحة التي تؤرخ الإنتصار العظيم للمسلمين وتحرير صيدا من حكم الصليبيين عام 1291م. وذلك في زمن صلاح الدين الأيوبي, وبفضل هذا الإنتصار أعيد هذا المبنى ليكون مسجداً يذكر فيه اسم الله ولإقامة الشعائر الإسلامية. وقد تضمنت تلك اللوحة الرخامية شعاراً جاء فيه: (لا إله إلا الله الأحد القهّار) وتحت هذا الشعار الآية الكريمة من القرآن: “الله الرحمن الرحيم, إنما يعمر مساجد الله من أمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله, فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين”.

وقد وضعت هذه اللوحة فوق عقد حجري جميل يزين الرواق الغربي للمسجد والذي يطل على صحنه البديع الفسيح.

وفي داخل الحرم توجد لوحتان رخاميتان أيضاً, الأولى نقش عليها إسم الجلالة (الله) وموجودة فوق المحراب الواقع على يمين المنبر الرخامي, والثانية نقش عليها الآية الكرمة (كلما عليها زكريا المحراب) موجودة فوق المحراب الواقع غلى يسار المنبر المذكور.

أما اللوحات الباقية فهي تظهر التواريخ الهامة لمختلف المراحل التي رمم فيها المسجد بالإضافة إلى الإصلاحات والتوسعات عبر حقب التاريخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock