اقلام وافكار حرة

الشمعة أرحم من مرض الإستنزاف المزمن .. إستجرار الكهرباء حلّ “هزيل” يفوّت الفرص الكبيرة

لا يعكّر صفو الفرحة بـ»كتْب كتاب» الكهرباء اللبنانية على أترابها من الطاقة الأردنية، إلا الكلفة التي سيتحمّلها «بي العريس». فلبنان الغارق حتى أذنية بالديون سيراكم ديناً جديداً، لإتمام «عرس» طاقوي سينتهي عقده بعد عام.
يقال إنه لا ضير في أن «يتعلق» الغارق بالعتمة لـ 23 ساعة بالـ 24، بـ»قشة» ساعتين إضافيتين يؤمنهما استجرار 250 ميغاوات من الأردن. وهذا قد يكون صحيحاً، لو أن الغريق منذ العام 2011 لم يفوّت عليه فرص التشبّث بعوامات إنشاء المعامل (دير عمار مثالاً)، والتركيز على الانتاج من الطاقة الشمسية (كما نصحت دراسة كهرباء فرنسا). لكن بدلاً من التعلق بالحلول الدائمة، كان الخيار يجنح نحو التلهي بالحلول الموقتة الأعجز عن انتشاله من «بحر» العتمة. فكانت بواخر الطاقة التي كلفت أكثر من 1.2 مليار دولار على مدى عقد من الزمن من دون أن تقدم أي قيمة مضافة. حيث اختفت 600 ميغاوات مباشرة بعد رحيلها. واليوم ننحو للحل ذاته باستجرار الطاقة بكلفة عالية مع إهمال الحلول الدائمة.

الكلفة باهظة

«بُح صوتنا ونحن نطالب بانشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، التي من دونها لا أمل بإنقاذ القطاع وتأمين احتياجات لبنان بأقل كلفة على المواطن والاقتصاد»، يقول النائب ميشال ضاهر. «حتى أن الرئيس نجيب ميقاتي الذي وضع هذا المطلب في البيان الوزاري تراجع عنه وتم سحبه من التداول». ونتيجة لاستمرار تغييب «الهيئة»، اتُخذ القرار بشراء 250 ميغاواط من الأردن بكلفة قد تصل إلى حدود 262 مليون دولار. و»لا أعلم صراحة سبب اغتباط وزير الطاقة وليد فياض الشديد نتيجة اتمام هذه الصفقة»، يعلق ضاهر متعجّباً، و»ذلك على الرغم من أننا سنشتري الكيلواط المنتج بكلفة 3 سنتات من الطاقة الشمسية في الأردن بحوالى 12 سنتاً. ما يعني أن الميغاواط الواحد سيكلفنا بحدود 120 دولاراً وهذه تعتبر من أعلى الأكلاف في العالم».

التغاضي عن البديل جريمة بحق البلاد

في الوقت الذي يصوّر فيه الاتفاق على استجرار ساعتين من الكهرباء على أنه انجاز، «تمتلك الدولة في منطقتي «راس بعلبك» و»القاع» مشاعات مشمسة بمساحة تقدّر بـ 24 مليون متر مربع، قادرة على توفير 1800 كيلواط بكل ميغا منتج»، برأي ضاهر. و»كل المطلوب من وزارة الطاقة والدولة من خلفها إطلاق مناقصات لكل مئة ميغا على حدة، في حال كانت عاجزة عن عقد صفقة واحدة لانتاج 2000 ميغاواط. وبحسب ضاهر فان «الاستثمار بالطاقة الشمسية في هذه المنطقة يتيح للدولة شراء الكيلواط الواحد بـ 4 سنتات كحد أقصى بدلاً من الدفع عليه 12 سنتاً للأردن». وبرأيه «هناك الكثير من شركات انتاج الطاقة المتجددة يهمها الاستثمار بهذا النوع من المشاريع. وعلى سبيل المثال فقد تكفلت شركة إماراتية بتركيب نظام للطاقة الشمسية في أرمينيا بكلفة 29 دولاراً للميغاواط، ما يعني أن كلفة الكيلواط لم تتجاو 3 سنتات».أمام ما تقدم يقفز إلى الأذهان سؤال واحد: لماذا لا تبدأ الحكومة اطلاق المناقصات لإنتاج الكهرباء على الطاقة الشمسية؟

«لأن الطبقة السياسية لطالما عاشت على مشاريع الكهرباء»، من وجهة نظر ضاهر. وكلما كانت المشاريع مكلفة أكثر بمعنى أنها آنية وسعرها مرتفعاً كلما كانت استفادتهم أكبر. وهذا ما رأيناه في استئجار البواخر. ولا عجب هنا أن يكون القطاع كلف 43 مليار دولار من الديون… ولا كهرباء».

الهدر مستمر

على الرغم من إهمال الحلول الدائمة، وارتفاع كلفة شراء الكهرباء من الأردن، فانه «إذا صحت التوقعات ووصلت الكهرباء في آذار المقبل، ستتراوح الخسارة المباشرة من هذه الصفقة المقدرة قيمتها بحدود 250 إلى 270 مليون دولار، بين 143 و150 مليوناً»، بحسب المهندس المتابع ملف الطاقة محمد بصبوص. فـ»نسب الهدر المسجلة في العام 2021 والمستمرة لغاية اليوم بلغت 57 في المئة. ما يعني أن كل مئة ميغا توضع على الشبكة يضيع منها 57 ميغا بشكل مباشر ولا يصل منها أكثر من 43 ميغاواطاً». والمؤسف بحسب بصبوص هو الانكار المستمر لمشاكل قطاع الطاقة ومداواته بالحلول الموقتة التي لطالما كانت هي الداء. والجدير ذكره بحسب بصبوص أنه «حتى لو جرى رفع التعرفة مع هذه النسب العائدة من العجز، فان خزينة الدولة لن تعوض كلفة الاقتراض، لأن أكثر من نصف الكمية المشتراة سيضيع على الشبكة وفي انعدام القدرة على التحصيل، ولن يسدد ثمنها».

على ما يبدو فإن البدائل المفترض بها أن تكون موقتة وتتزامن مع الاصلاحات والعمل على تطوير القطاع ورفده بالمشاريع وبناء المعامل… ستتحول إلى دائمة»، بحسب بصبوص. وكل سنة ستجر سنة من بعدها، لنستفيق بعد عدة اعوام على عدم تنفيذ أي إصلاحات أو مشاريع جدية في قطاع الكهرباء. وما يثير القلق في هذا الصدد غياب وزارة الطاقة والحكومة عن أي مبادرة بشأن تطبيق القانون 432 وإنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء».

في الوقت الذي كان فيه وزير الطاقة اللبناني واضحاً خلال توقيع الاتفاق مع الأردن فإن العقبتين المتمثلتين بالعقوبات الأميركية، وتمويل البنك الدولي لم يحلا بعد، ويتمنى بصبوص أن «يتشدد البنك الدولي بالموافقة على القرض أكثر من أي وقت مضى. وألّا تعطى الاموال قبل ضمان قدرة لبنان على تنفيذ الاصلاحات. فالقرض الميسّر بفوائد منخفضة وفترة سماح لسنة والمقسط على سنوات طويلة، يبقى في نهاية المطاف قرضاً ملزم لبنان على تسديده. ومن دون الاصلاحات لن يستطيع البلد دفع الاقساط وسنقع في عجز أكبر. وبحسب بصبوص فان «الشمعة أرحم من مرض الإستنزاف المزمن».
بقلم :خالد ابو شقرا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock