أخبار لبنانية

الحاج كاظم إبراهيم .. حبة بركة السياد

تتميّز مسيرة المرحوم الحاج كاظم محمد إبراهيم بالصدق، المُثابرة، حُب الآخرين، عمل الخير، وتقديم كل معونة لمَنْ استطاع.
ابن بلدة كوثرية السياد – قضاء صيدا، الذي يعود بنسبه إلى بيت النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم)، عُرِفَ بتواضعه وطيبة قلبه، كما الطحين الذي تفنّن بتطويعه، وبياض شعره، الذي يرمز إلى سني عمره الـ85، تماماً كما طيبة قلبه.
سنوات عدّة قضاها في «مخابز الأمراء» التي أنشأها، وتوليه منصب نقيب أصحاب الأفران في لبنان، على مدى عُقود عدّة، مُدافعاً عن لُقمة عيش المُواطنين وأصحاب الأفران، مُحتضناً الزملاء والعاملين.

يرحل وفي القلب غصّة على ما ارتكب السياسيون بحق البلد، وما أوصلوه إليه من حال، لم يسلم منه قوت عيش المُواطن، رغيف الخبز.
في العائلة التي كوّنها الحاج كاظم مع شريكة عمره الحاجة شفيقة سليمان مكي (التي سبقته بالرحيل في 15 تموز/يوليو 2014)، رُزِقَا بخمسة شبان: اللواء عباس، شريف، علي، والمرحومين الشهيد محمد وأحمد، ربّياهم على الصدق، الجُرأة، الشجاعة والرجولة، ليكونوا رجالاً لا يهابون في الحق لومة لائم.

كل ذلك مقرون بحب الخير، مُساعدة الناس، نُصرة المظلوم والدفاع عنه، وإصلاح ذات البين.
يرحل الحاج كاظم في الأول من آب/أغسطس، عيد الجيش اللبناني، الذي آمن به، فالتحق به ابنه محمد جندياً للاحتياط، واستشهد وهو في سن العشرين، لكن ذلك لم يُثنِ العائلة عن أنْ يتقدّم ابنها عباس للإلتحاق بالمدرسة الحربية في 4 أيلول/سبتمبر 1980، في عز انقسام البلد، إيماناً بماتعنيه المُؤسّسة العسكرية من انصهار وطني.

وَهَبَتْ العائلة للوطن اللواء عباس، المرضي من الوالدين، الذي أصبح مُديراً عاماً للأمن العام، وفي كل مركز يتبوأه في الجيش والأمن العام، أو مُهمّة تُسند إليه، تكبر به وتجد خواتيمها، انطلاقاً من الصدق، المُثابرة، الثقة بالنفس، الشجاعة، الإقدام والفراسة، فهو كخط القطار المُستقيم، واضح وضوح الشمس، مُحاور من الطراز النادر، يمد جسور الأوصال المقطوعة، يُدوّر الزوايا، ويطرح الحلول لإيجاد المخارج، بتفكيك صواعق الألغام، ويُبطل مفاعيلها قبل انفجارها، لكن كل ذلك من دون المس بثابتة أساسية، أنْ تكون فيها المصلحة للبنان الوطن والمُواطن.

لا يكلُّ ولا يمل، فأصبح موضع ثقة قلَّ نظيرها، وأضحى رجل دولة عابر للطوائف والمناطق.يصنع البسمة من ألمه، ويزرعها على الوجوه دائماً بالنظر إلى النصف المُمتلئ من الكوب.وعى السيد كاظم إبراهيم باكراً على حُب فلسطين، حيث وُلِدَ في كوثرية السياد في 6 كانون الثاني/يناير 1937، قبل نكبة أهلها في العام 1948، نظراً إلى علاقات التواصل بين جبل عامل، أرض أبي زد الغفاري وأرض المُقدّسات.

توطّدت هذه العلاقة مع أبناء فلسطين، فأتاح لهم العمل في الأفران، ولم يُفرّق بالتعامل بينهم وبين العاملين الآخرين.
انسحبت هذه العلاقة مع أفراد العائلة، فأولى اللواء إبراهيم القضية الفلسطينية كل اهتمام، انطلاقاً من فترة رئاسته فرع مُخابرات الجيش اللبناني في الجنوب، فخاض غمار الإبحار بملفاتها، فأضحى مُلمّاً بأدق التفاصيل المُتعلّقة بها بما يتجاوز الساحة اللبنانية.أينما حلَّ يترك بصمة خاصة، تُؤكد تفانيه من أجل الوطن والمُواطن، لا يأبه للمخاطر في مُواجهة العدو الإسرائيلي وشبكاته التجسّسية والإرهاب وخلاياه التدميرية.

هو هدف دائم لمُخطّطاتهم، فقد نجا من مُحاولات اغتيال عدّة، كما أفشل مُخطّطات قبل تنفيذها من خلال «الأمن الاستباقي»، الذي اعتمده فأصبح قائده، و»القوّة الناعمة» بعمل أمني نظيف، ما أنقذ حياة قيادات بارزين ومُواطنين والبلاد، فضلاً عن توقيف كبار المطلوبين للعدالة.

يرحل في ذكرى عاشوراء، التي تجسّد تضحيات النسب الذي يتصل به إلى الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وسلم).
مُنذ أنْ تعرّفنا إلى الفاضل الحاج كاظم إبراهيم، قبل عقود عدّة، لم نعرفه إلا مُؤمناً، مُتفائلاً، عاملاً للخير، ويحيط الجميع بحنان الأبوّة والأُخوّة، حيث سيفتقده الجميع.يقول المثل الشعبي: «أعطي خبزك للخباز لو أكل نصه»، فكيف إذا كان نقيب أصحاب المخابز، الذي بذل الجهد ليُحافظ على تأمين رغيف الخبز للمُواطن في أصعب الظُروف وأقساها، مع صون حقوق أصحاب الأفران والعُمال، دون أن يكون ذلك على حساب المُواطن، فيزيد على الطحين الأبيض الماء والملح وخميرة خبرها، يخرج من الفرن رغيفاً تفوح منه رائحة زكية، تبعث الطمأنينة والذكريات الجميلة فيصبح المثل: «خذ خبز محمّر ومقمّر وبكمية كاملة مع حبة بركة السياد».

رحم الله الحاج كاظم إبراهيم وأسكنه فسيح جنانه، وألهم اللواء عباس إبراهيم وأفراد العائلة وأهله ومحبيه الصبر والسلوان.

المصدر :اللواء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock