من هنا وهناك

في عصر الهواتف الذكية.. ما هو مصير ألبومات الصور؟

لقطات ومحطات في حياة الفرد تنقلها الصور الفوتوغرافية المخزونة في ألبوم الصور “التقليدي”، يستوقفنا الرجوع إليها بين الحين والآخر، تحفز الذاكرة لاستعادة تفاصيل الموقف أو الحدث أو المناسبة، ويتسلل الحنين لأيام مضت في مشهد ما، خصوصا عند مقارنة الحياة في الماضي بالحاضر، وما يتخللها من تغيرات في ملامح الوجه، إلى جانب تبدل أسلوب الحياة بشكل عام.

ومع توفر الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي.. ماذا حل بألبوم الصور “التقليدي”؟، هل لا يزال له “مكان ما” في الدولاب أو في أدراج المكتبة بالبيت الحديث أو استبدل بمكانه “أرشيف الصور” في هواتفنا الذكية؟

ذكرياتك بأمان

تحتفظ الجدة أم زياد بألبوم الصور في دولابها، الذي يضم صورا بـ”الأبيض والأسود” وأخرى “ملونة”، ولكل منها قصة أو موقف أو مناسبة أو حدث ما، تسترجع تفاصيلها بمجرد تقليب صفحات الألبوم.

تقارن حفيدة أم زياد، بين الصور الورقية و”الديجتال” (الرقمية)، فالحفيدة تمتلك عددا كبيرا من صور الديجتال، ومعروضة على أجهزة ذات شاشات تومض بشكل جميل عند النقر على زر خاص بها في ألبوم إلكتروني تخزن به الصور.

لكن، جدتها لديها ألبوم قديم، وبه بعض الصور القديمة، وذات إطار مقصوص “زجزاج” (متعرج) أو أطراف مهذبة بشكل جميل، أو لون أبيض وأسود، أو داخل برواز.

تستمتع الجدة والحفيدة بمشاهدة تلك الصور معا، وتقول الجدة: “نستطيع استخراج الصورة ومشاهدتها عن قرب، فتطلب مني أن أعمل لها ألبوما خاصا بها، مما يضطرني لانتقاء صور محددة من الكم الهائل من الصور لديها، وأرسلها للأستوديو لتحميضها وطباعتها”.

وتقول إن شراء ألبوم من المكتبة وترتيب الصور في الألبوم يخلق أجواء عائلية جميلة بقدر قليل من الصور، فالألبوم له جمالية المحسوس والملموس مثل رائحة الورد الجوري لا يمكن تخزينها كديجتال.

تقول أم زياد: الألبوم هو عالم المحسوس والملموس، ويدمج كل الحواس معا، فابنتي تطلب شعور المسك باليد، وتقليب الصور يعطي شعورا بالفخر والخوف على الصور من التلف أو أن ينسكب عليها شيء أو تتغير بالعوامل المناخية مثل ضوء الشمس أو الرطوبة.

وتؤكد الجدة، أن امتلاك مخزون ضخم من الصور الإلكترونية الجميل لا يتساوى مع تقليب صورة باللمس، والبحث بين الكم الهائل من الماضي.

وتقول إن انتظار تحميض الصور وشراء ألبوم من المكتبة له مراسيمه الخاصة ووضعه على السرير أو في غرفة الجلوس، وتجمع الأحبة من حولنا لاستحضار الماضي يقودك إلى تذكر قصص ومواقف خاصة بالصورة، ويخلق أجواء جميلة ومنعشة، وقد تضحك عليها أو تبكي لذكرى ألمت بك، ومجرد أنك تمتلك ألبوما يشعرك بأن ذكرياتك بأمان وقريبة وفي متناول اليد، وتحرص على ديمومة بقائها أمام ناظريك.

ملمس وذكرى

وتقول اختصاصية علم النفس الدكتورة سارة البدور إنه في نهاية القرن الماضي تراجع بشكل كبير استخدام الطرق التقليدية للتواصل الاجتماعي، وتم استبدال الطرق الحديثة بها عبر خلال الهواتف الأرضية ثم الهواتف النقالة، والتي أصبحت من أهم طرق بناء العلاقات الشخصية والعائلية في التواصل الفعال.

وتشرح البدور “الصور الفوتوغرافية تأخذنا بعيدا.. حيث أصوات الضحكات.. حيث الأمان.. حيث الأماكن الصغيرة الدافئة.. حيث كرنفالات الفرح.. للصور وملمسها وقع في الذاكرة مختلف.. لا نستطيع إخفاءه مهما مرت عصور وأيام على هذه الصور.. ولا تستطيع إخفاء اللهفة عند استرجاع هذه الذكريات.. ونشعر ونستحضر جميع المواقف بتوقيتها.. بمشاعرها.. بمناسباتها”.

ويعود استحضار المشاعر مع الصورة لعدة عوامل، وفق الاختصاصية سارة البدور، أبرزها: العامل النفسي وارتباط الصورة في أعماق الدماغ، وارتباط هذه المشاعر من خلال الحواس: اللمس، النظر، والشم (الرائحة)، وجميع هذه الحواس من المحفزات الرئيسية لاسترجاع الذكريات، وهناك أدلة علمية تؤكد تأثير الحواس على الذكريات.

وتستدرك بأن التكنولوجيا أصبحت جزءا أساسيا ومهما جدا في حياتنا، وهذا لا يعني أننا عبيد للتكنولوجيا، مشيرة لضرورة احترام الاشخاص الذين يرتبط نمط حياتهم أو متطلبات عملهم بالإنترنت والسوشيال ميديا، فالتطور سُنة الكون والوجود والمجتمعات الإنسانية.

الصور “التقليدية” مسيرة حياتنا

ومن جانبه، يقول اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع “لا يختلف اثنان أن هناك تغييرا كاملا على مستوى حياتنا، والصورة دائما هي توثيق لحدث تاريخي وتوثيق للحظة بمكانها وبزمانها، ودائما الصور لها معنى إيجابي في حياتنا سواء على المستوى النفسي أو الاجتماعي”

ويتابع “الصور توثق رحلتنا في الحياة، بل توثق لحظات متعددة في حياتنا، الصور في الألبوم التقليدي، هي رابط وشريط ذكرياتنا الذي نلجأ له دائما للاطلاع على مسيرة حياتنا المستمرة، لكن هذه الذكريات وهذا التوثيق المهم لحياتنا تغير الآن، وبالرغم من قلة الصور التي كانت في السابق، فإنها تحمل دلالات وتفاصيل عديدة”.

فالصورة التقليدية كانت توثق لمسيرة عمر، أما الآن فالصور الإلكترونية أصبحت توثق لمسيرة يوم أو مسيرة حدث فقط، وهنا الفرق بين الاثنين.

ألبوم الصور التقليدي، وفق جريبيع، يحتضن ذكرياتنا وصورنا التي كانت تجمع الأجداد والآباء على مدار التاريخ، محملة بذكريات عزيزة على قلوبنا، نحتفظ بها في منازلنا، إذ كانت وستظل غالية وفريدة من نوعها.

(الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock