أخبار لبنانية

خفايا الجرائم في لبنان… مسار التّحقيقات من الألف إلى الياء

باسمة عبّاس وبناتها الثّلاث، ليلى رزق، لقمان سليم، جو بجاني وغيرهنّ وغيرهم كثُر من الضّحايا، سقطوا مؤخّرًا في لبنان، على يد أشخاص أقلّ ما يمكن وصفهم بـ”المجرمين”. فبدمٍ باردٍ وبارودٍ حارٍّ نفّذوا جرائمهم واختفوا!بعد كلّ جريمة، يبدأ البحث عن الفاعلين، وأحيانًا قليلة تفلح القوى الأمنيّة بإيقافهم، لتبدأ التّحقيقات، من ثمّ تُنسى القضية وكأنّها لم تكن، حتّى تظهر بعدها جريمة أخرى وتّعاد الكرّة
بعيدًا عن القتل، عمليّات السّرقة في البلاد “حدّث ولا حرج”، فكلّ شيء، فعليًّا كلّ شيء معرّض للسّرقة، بخاصّة الحديد والآلات الّتي يمكن أن تُباع بالدولار. ورغم كلّ ما سبق، لم يتمّ إعلان أي حالة طوارئ أمنيّة، فالأجهزة الأمنيّة “حالتها حالة”، ورواتب عناصرها لا تكفي لتغطية أساسيّات الفرد وعائلته من كهرباء وطعام وطبابة وتعليم.
لن ندخل في مسألة غضّ النّظر عن الاهتمام بالأجهزة الأمنيّة كافّة ماديًّا، والأسباب الكامنة وراء ذلك، بل سنتناول في موضوعنا “المجرم” الّذي يكون محور الاهتمام بعد كلّ حادثة.ميّزت المتخصّصة في علم الجريمة الإعلاميّة باميلا حنينة، بين مدرستَين تناولتا سمات شخصيّة القاتل. وقالت لـ”لبنان 24″ إنّ “المدرسة التّقليديّة تعتبر أنّ المجرمين لديهم خصائص جسديّة مشتركة، ظهرت بعد تشريح جثثهم، وهي تشوّه بالدّماغ، أذن طويلة، فكّ كبير، جبهة عريضة، وأوشام كثيرة على الجسد. أمّا المدرسة الحديثة فضحضت الفكرة السّابقة، معتبرةً أنّ لا شيء اسمه بالفطرة، بل هناك مشاكل طبيّة في الهورمونات أو في الجهاز العصبي مثلًا، ممكن أن تؤدّي إلى أن يرتكب الشّخص جريمةً، في حال تلاقت مع عوامل خارجيّة”.وأكّدت أنّ “التّعميم لا يجوز في الجرائم، لأنّ كلّ حالة تُدرس منفردةً، لجهة أسبابها ودوافعها، لأنّها ستختلف عن الحالات الأخرى”، مشيرةً إلى أنّ “العوامل الخارجيّة ممكن أن تكون المحيط، التّربية، نسبة التّعليم، الوضع المعيشي، المشاكل العاطفيّة، العنف الأسري وغيرها.
ولا بدّ من أن نشير إلى أنّ بعد ارتكاب الجريمة، 90 بالمئة من الحالات يعود فيها الفاعل إلى موقع الجريمة، إن كان في حالة القتل أو الخطف، ومن أبرز الأسباب أنّه باعتقاده يُبعد الشّبهات عنه ويضلّل العدالة. فيتقرب من رجال الأمن ويعطي معلومات غير صحيحة، ولا يمكن الجزم أنّ كلّ المجرمين أذكياء، وفق حنينة.

الجرائم في لبنانمنذ مدّة ليست بعيدة، بات لبنان يسجّل بشكل يومي جريمة قتل أو سرقة أو أكثر، وعن هذا الأمر أوضحت حنينة أنّ “ارتفاع نسبة الجريمة أمر طبيعي في لبنان اليوم، بسبب الوضع الاقتصادي والمعيشي”. ورجّحت أن “ترتفع نسبة الجريمة بطريقة لن نستطيع مواكبتها”، منبّهةً من “خطر عدم وجود إحصاءات أو دراسات أو أرقام جديّة ورسميّة حول هذا الأمر، إذ هناك جرائم كثيرة لا يتمّ التّبليغ عنها”.بعد وقوع الجريمة
ما هو المسار الّذي يجب اتّباعه فور حصول جريمة؟ أجابت حنينة أنّ “بعد اكتشاف حصول جريمة، يجب إبلاغ الأجهزة الأمنيّة عنها فورًا، وهنا تحضر المباحث الجنائيّة، الّتي عليها أن تطوّق مسرح الجريمة الصّغير والكبير، كالشّارع مثلًا. كما يجب أن يطوَّق المكان لمدّة 24 ساعة لكي تُختتم التّحقيقات الأوليّة”.
وشدّدت على أنّه “ممنوع أن يدخل أحد إلى مسرح الجريمة، وهذا ما لا يحصل في لبنان، فعلى سبيل المثال في جريمة المروج الأخيرة، دخل الكثير من الأشخاص الى موقع حصولها”.
وبيّنت حنينة أنّ “الأفراد الّذين يحقّ لهم دخول مسرح الجريمة، هم: المباحث الجنائية، المصوّر الخاص المرافق لهم، الشّخص الّذي يرسم الأرقام ويرفع البصمات، والمتخصّصون بعلم الجريمة”.
ولفتت إلى أنّ “الدّخول والخروج يجب أن ينحصر بمدخل واحد، ويتمّ تسجيل اسم كلّ شخص يدخل وتفاصيل متعلّقة به”.
كما طالبت بـ”وضع قانون لإدارة مسرح الجريمة، والاعتراف أن هناك اختصاصا بعلم الجريمة”، مركّزةً على أهميّة أن “تكون العناصر الموجودة على الأرض، من أصحاب الاختصاص”.

الحدّ من الجريمة
جزمت حنينة أنّه “يمكن الحدّ من الجريمة لكن لا يمكن تفاديها، وذلك من خلال خطّة وطنيّة وقائيّة للجرائم، والعمل على قانون العقوبات وتطويره”.
وأشارت إلى أنّه “لا يجب أن تكون العقوبة بالسّجن، بل يجب أن تكون العقوبة تأهيليّة داخل مراكز الاحتواء، وتتضمّن برامج تأهيليّة على الصّعيد النّفسي والاجتماعي والبيولوجي، حتّى أنّه يجب متابعة الشّخص بعد الخروج من السّجن، وأخذ ملاحظات عنه”.

إذًا، يحتاج لبنان إلى خطّة لاستباق الجرائم، وخطّة مُحكمة وعلميّة لما بعد وقوع الكارثة، لكي لا يفسد مسرح الجريمة ويفلت المجرمون،والأهم ضمان حصول الضحيّة على حقّها العادل، من دون أن يذهب دمها هدرًا في زواريب “الوسائط” والتّغطيات السّياسيّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock