أخبار لبنانية

متى يتّخذ سليمان طوني فرنجية الخيارَ الشجاع؟ ميشال ن. أبو نجم

هناك الكثير مما يُختلَف عليه مع سليمان طوني فرنجية. سياساتٌ إقطاعية محصورة مناطقياً. غياب الرؤيةِ والقدرة والبرنامج للإنقاذ في أخطر ظرف يمرّ به لبنان. انضواءٌ كامل في منظومة التسعينات، والأهم تحت جناح الرئيس بري. فضّل الإنسحاب من تحالفٍ سياسي مع العماد ميشال عون لحساباتٍ رئاسيةٍ، مزمنة، وخاطئة. وطيلة فترة ولاية الرئيس عون، بما فيها فترة أحداث 17 تشرين وما بعدها، اختارَ تموضعه في كل ما من شأنه ضرب الرئيس، ولم يفوّت مناسبة إلا وأطلقَ ناراً عبثية، نافياً لشدة هجومه على العهد، وجود أهم ثروة استراتيجية في مياه لبنان.

كل ذلك صحيح. لكن، الأوان لم يفُت لصحوة ضمير لدى إبن زغرتا – إهدن، لوقفةِ كرامةٍ وعنفوان، تنقذه قبل أن تكون عاملاً لرفع يد الوصاية على القرار السياسي المسيحي.

في النهاية، سليمان طوني فرنجية هو إبن زغرتا التي واجهت المحتل العثماني مع يوسف بك كرم. هو إبن إهدن الحصينة التي قارعت المماليك. هو حاملُ الجروح العميقة التي صفحَ عنها وسامح. على أعتاب قصر جده الرئيس، سقطت جثث المهاجمين قبل زيارة مقرّرة لعبد الحليم خدام. وإن كانَ سليمان فرنجية الجد حليفاً لسوريا تاريخياً، فإن ذلك لم يمنعه من أن يتخذ موقفاً واضحاً في مؤتمر لوزان 1984، حفاظاً على محورية رئاسة الجمهورية، كلّفته تحرّشاتٍ عسكرية من جبهة الكورة…

يتعرّض الرجل اليوم لتجنٍ، ممن يريدون فرضه بالقوة. انجرفَ في هذا الخيار وتوهّم، صحيح. لكنه في النهاية يُستخدم لضربِ ذاتية القرار في صنع رئيس جمهورية لبنان. وإن كان القرار يجب أن يكون لبنانياً في مراحل متقدمة من مسار الرئاسة، لكن ذلك لا يعني سحق الإرادة المسيحية نهائياً في اختيار الرئيس، على ما انزلقت إليه الثنائية الشيعية عن سابقِ تصورٍ وتصميم.
فهل تستحق رئاسة الجمهورية، أن يضع سليمان طوني فرنجية نفسه، في موقع من يدير ظهره للغالبية الساحقة من المسيحيين، من بكركي إلى الأحزاب السياسية، ويكرّسُ نفسه “مستولداً” في كنف الثنائية الشيعية؟ هل يقبل فرنجية أن يكون مجرد أداة لدفن رئاسة الجمهورية، وتحويلها صورة كاريكاتورية يُتخذ الفرض بشأنها، من دون الوقوف عند رأي المسيحيين، المعنيين الأول بها؟
لنترك الوجدانيات جانباً. الكلام هنا مرتبط بمصلحة سياسيةٍ بحت. هل يتصور سليمان فرنجية، ماذا سيكون عليه ما تبقى من زعامته المتناقصة عملياً إلى نائب واحد بالقدرة الذاتية، وهل يتصور أنْ يقفلَ بيته السياسي، طالما أنه قبلَ بإلغاء الذات؟

لقد بدأ فرنجية كلامه بالخطأ وأمعنَ به. في مقابلاته التلفزيونية خلتْ كلماته إلا من خطابٍ متناثر غير مفهوم. أما في بكركي فكسر الجرة مع المسيحيين عندما هدَّدهم ووصمهم بالتطرف وساواهم بالحركات الإرهابية.
كل ذلك لا يعني أن الأوان قد فات على صحوة ضمير، لا بل صحوة كرامة كالتي علّمتها زغرتا – إهدن وجرود الشمال القاسية، التي طحنوا فيها الصخور وصنعوا الجلال المثمرة لتبقى لهم حريتهم وكيانيتهم وذاتيتهم.
يمكنُ سليمان طوني فرنجية، وفي ذكرى الجروح العميقة، أن يكون سياسياً محلياً، تستخدمه ثنائية أمل – حزب الله لتوجيه آخر ضربة لرئاسة الجمهورية، ويفتح النار على بيئته ووجدانها ودورها المستقبلي. يمكنه استحضار الخصومات والعداوات، وتجديدها. لكن، أمامه خيار آخر، يحتاج إلى الجرأة، وهي لا تنقصه، إن أراد وأقدم…

غداً، يمكنُ سليمان فرنجية أن يقلب الطاولة. أن يعلنَ بصوت جهوري “لا” قوية في وجه الإستغلال والإستخدام… أن يقول إن خياري الإنفتاحي و”العربي” لا يعني إدارة الظهر للمسيحيين الذين أريد تمثيلهم. كيف لي وأنا سليمان طوني فرنجية، أن أتنكرَ للذات والهوية والوجدان، في مقابل رئاسةٍ يريدون أن آتي إليها مجرّداً من الدعم والمباركة؟ وإذا كان التنافس والخصومة تمنعني من الوقوف عند رأي القوى المسيحية، فماذا يمكنني أن أقول لبكركي، وهي صاحبة الرمزية التي لا يمكن أن تقبل بمنطق الفرض غير المعهود؟
ثم أيُ مصلحةٍ أفضِّل؟ مصلحة حزب الله ونبيه بري المتآكل نفوذه، أم مصلحتي الذاتية؟ تراها ماذا تنفع رئاسة من دون شعب، ومن دون عنفوان، أما تُراني أقبَل أن أكون “الياس الهراوي” آخر، وأنا الذي شهدتُ، وزيراً، كل الخراب والسياسات المدمرة لمالية البلد واقتصاده؟

في المنعطفات المفصلية، تحدد الخيارات مسألة وجود القيادات في التاريخ والمستقبل. تراه ماذا يختار سليمان طوني فرنجية غداً، قبول الإستخدام والإستغلال أم الإنسحاب الشجاع؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock