أخبار لبنانية

معنّفة على الخط: ممنوع الاتصال قبل الساعة 5؟

قضايا العنف الأسري، وفقاً للنص وظاهرياً، هي من القضايا التي تستدعي التدخل والتحرك السريعَين من قبل النيابات العامة الاستئنافية. فبموجب نص المادة 11 من قانون «حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري» الرقم 293\2014 يُلزم المحامي العام المكلّف تلقي شكاوى العنف الأسري باتخاذ الحد الأدنى من التدابير لحماية الضحية، كأن يحصل على تعهّد من المشكو منه بعدم التعرض لها، وفي حال وجود خطر محدق يُمنع المشكو منه من دخول البيت الأُسري لمدة 48 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة، إن لم تكن هناك وسيلة أخرى لحماية الضحية وأولادها. لكن، هل يطبّق هذا النص فعلاً على أرض الواقع؟

نعرض في ما يلي ما حصل مع إحدى النساء يوم الجمعة في 25 آب 2023.

ريتا (اسم مستعار)، هي أم لثلاثة أولاد تعيش مع زوج لم يترك «للصلح مطرح» واختار المخدرات رفيقة له بدلاً من زوجته وأولاده.
لم تعد تحتمل الزوجة بعد 17 سنة من الصبر ومحاولات الدعم والعلاج، التي لم تكتمل نتيجة رفض الزوج متابعتها، ففقدت السيطرة وبدأت بالصراخ والاعتراض على هذا الواقع المرير أمام أطفالها، فلم يكن من الزوج إلا أن طردها من المنزل مهدداً إيّاها بحرمانها من أولادها ومن السكن وكل ما يمكن أن تمتلك حتى ملابسها التي رفض أن تأخذ بعضاً منها.
انتقلت للبقاء مؤقتاً في منزل قريبة الزوج، إذ لا سند لها أو معيل، فوالدها متوفى ووالدتها تعيش خارج لبنان، وتواصلت عبر إحدى صديقاتها مع محامية لاستشارتها. طلبت الأخيرة منها أن تتريّث باتخاذ أي موقف تصعيدي كي لا تستفز زوجها الذي بحوزته طفلتيها القاصرتين، وأن تحاول حلّ المشكلة من دون أي مواجهة مباشرة.
إلا أن طلبها بالتروي تبخّر بعد أقل من ساعة على الاتصال، لأن الزوج قرر المجيء إليها لأخذ طفلتها الثالثة الأصغر سناً، التي كانت تبكي فزعاً من كل ما يجري أمامها. هاجم الزوج ريتا وطفلتهما، أثناء ركوبهما سيارة قريبته، وكاد أن يكسر زجاج السيارة على مرأى سكان الشارع الذين تجمّعوا لإيقافه وإبعاده.
ما اضطرّ ريتا للاتصال بالخط الساخن 1745 فأحيلت إلى أقرب مخفر من مكان وقوع التهجّم. دخلت الأم خائفة ومرتبكة إلى المخفر، فكان الجواب الأوّلي لها إنه لا يمكن فتح محضر فوري لأن الزوج لم يضربها. وبعد تواصل المحامية مع المخفر وضّح العنصر الأمني أنه لا يستطيع فتح محضر من دون إشارة المحامي العام الاستئنافي المناوب حالياً، القاضي فرزلي، المكلّف بملفات العنف الأسري، ولا يستطيع الاتصال به قبل الساعة الخامسة عصراً «مهما كانت الأسباب».

حاولت المحامية أن توضح للعنصر الأمني مدى الخطر المتوقّع على الطفلتين القاصرتين مع أب يعاني حالة عصبية مزمنة وقوية نتيجة تعاطيه المخدرات، قد تؤدي لارتكابه تصرفاً مؤذياً بحقه وبحق ابنتيه. ولمجرد احتمال وجود خطر على قوى الأمن التحرك فوراً، فهذا هو جوهر قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري.

لنفترض أن رواية الأم تحتمل الشكّ، أو أننا لم نتثبّت من صحّتها بالكامل، على الضابطة العدلية التأكد من سلامة الأولاد أولاً وتأمين الحماية لهم، وخاصة مع ورود معلومة عن حالة الوالد العصبية. لكن ما حصل أن المحامي العام المكلّف بحماية من يتعرض للعنف ورغم تواصل المحامية معه لشرح الحالة، رفض الاستماع إليها ولم يقبل حتى أن تشرح له مدى خطورة الحالة، كما رفض إعطاء الإذن لعنصر قوى الأمن بفتح محضر بالحادث الذي تعرضت له الزوجة. وقال إن عليها تقديم شكوى أمام النيابة العامة الاستئنافية يوم الإثنين 28 آب، أي بعد ثلاثة أيام، من الممكن أن يحصل خلالها أمور كثيرة لا تحمد عقباها، تاركاً ريتا وطفلتها الصغيرة معاً وطفلتين مراهقتين مع الأب في عين العاصفة. من دون أي حماية قانونية وأي قرار حتى بإعادة الأم إلى منزلها، فلم يعد لديها مكان آمن بعد أن رفضت قريبة الزوج استقبالها وابنتها من جديد خوفاً من ردّ فعله!
إن هذا النهج، في ما يتعلق بأسلوب التعاطي مع ملفات العنف الأسري، ليس موحّداً بل يختلف بين قاض وآخر باختلاف نظرة وموقف القاضي من هذه القضايا بشكل عام. وهذا أمر مقلق لأن على القاضي أن يلتزم تطبيق النصوص القانونية وألا يجعل مواقفه الشخصية تؤثر على اتخاذه أي قرار، وخاصة في قضايا العنف الأسري.
وهذا التريّث أو عدم اتخاذ أي قرار لحماية الضحية التي لجأت للقضاء في قضية عنف وإن كان محتمل الوقوع، لا مبرر له أمام نهج مغاير تماماً نرى فيه القاضي نفسه يسارع لإصدار مذكرات بحث وتحرٍّ أو إشارة لمداهمة أو توقيف شخص مدعى عليه بجرائم مالية، على سبيل المثال، أو شبهة جريمة جزائية رافضاً إخلاء السبيل بحجة حماية حقوق المدعي المالية.

بينما يُستخف بحماية أرواح أطفال قاصرين وامرأة معنّفة ومدمن ومريض أعصاب قد تكون حياتهم جميعاً مهددة بالخطر. إن مجرد الشك باحتمال تحقّق هذا الخطر، يستدعي استنفاراً كاملاً للأجهزة القضائية والأمنية في دولة من المفترض أنها تحترم الإنسان، وحقوقه هي القاعدة الأولى ولا شيء مقدّماً عليها.
فهل القضاء ملجأ للحماية أو مصدر لتمييع قضايا العنف الأسري؟

(القوس، ألف باء القانون)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock