صيدا والجنوب

عين الحلوة في مواجهة الإرهاب: لهذه الأسباب نجحت مبادرة بري بوقف إطلاق النار!

لارا الهاشم –

عندما تمرُّ بالقرب من مخيم عين الحلوة ترى وجوهاً فلسطينية مرهقة من الحروب العبثيّة التي تجري داخل المخيم. يخشى هؤلاء الحديث أمام عدسات الكاميرا أو ظهور أسمائهم إلى العلن خوفاً من تعرّضهم للإنتقام لاحقاً من المجموعات المتطرّفة، لكنّهم يسرّون لك بخوفهم من مخطّط تهجيرٍ جديدٍ يدفعهم نحو المجهول خدمةً لاسرائيل الطامحة إلى إبعاد الفلسطينيين عن مخيّمات الشّتات.

أخطر من ذلك هو ما تتحدث عنه مصادر فلسطينية من اغتيالات مباشرة حصلت خلال جولة الإقتتال الأخيرة لمدنيّين مناصرين ل “حركة فتح” في منازلهم داخل المخيم أو حتى اتخاذ منازل الناس كدشمٍ للهجوم على قوات الأمن الوطني الفلسطيني.

كلُّ ما حصل خلال جولة الإقتتال من انتهاك لأمن الناس وتدمير للمخيم كان يفترض حلّا سريعاً لوقف الإقتتال، لكن اتفاقات وقف إطلاق النار التي كانت تتم برعاية رسمية فلسطينية ولبنانية كانت تُخرق في كل مرّة وسط اتهامات متبادلة بين “الشباب المسلم” و “حركة فتح” بالنّكث بالوعود. كانت المجموعات المتشددة تتهم الحركة بالهجوم عليها، فيما مصادر “فتح” تؤكد أنها لم تكن يوماً في موقع الهجوم وإنما في موقع الدفاع عن المخيم في وقت تواصل فيه المجموعات “الإرهابية” التحريض والقتل مدعومةً من بعض الجهات، ليتبين لاحقاً أنّ المقصود بهذه الجهات هي حركة “حماس” المتّهمة من قبل فتح بدعم الإرهابيين بالمال والسلاح والقتال.

وما بين الاتهامات والاتهامات المتبادلة انتهت جولة الإقتتال الثانية التي بدأت الخميس الماضي باتفاق على وقف لإطلاق النار عند السادسة من بعد ظهر الخميس، سبقته حركة اتصالات مكوكية على الصعيدين الأمني والسياسي. فمن جهة وصل صدى التحذيرات التي اطلقتاها قيادتا الجيش والأمن العام من مغبّة العبث بأمن المخيم وبالساحة اللبنانية إلى جانب الإتصالات التي كانت تقودها مديرية المخابرات منذ بدء المعارك وتشديدها على ضرورة تثبيت وقف إطلاق نار. أما على الصعيد السياسي فقد نجح الرئيس نبيه بري بانتزاع تعهد بتثبيت وقف إطلاق النار يبدو صامداً حتى اللحظة.

فما الذي تبدّل وأدّى إلى إنجاح الاتفاق خلافاً للمرات السابقة؟

تقول مصادر فلسطينية إنّه في اجتماع عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق بالرئيس بري، تعهّد الأخير بالتفاوض مع “الشباب المسلم” لوقف إطلاق النار مقدّماً ضمانات بذلك، وبالتالي فإن اعتراف “حماس” بمَونتها على هذه المجموعات كشف عن علاقتها المباشرة بها وبات يرتّب عليها مسؤولية لاحقة في حال حصول أي خرق لوقف إطلاق النار. وهنا تضيف المصادر عينها أنَّ ما ظهر إلى العلن من علاقة بين “حماس” والمجموعات المتطرّفة خلال اتفاق الهدنة سبق أن كُشف في كواليس الأيام الأخيرة للاشتباكات.

فمساء الثلاثاء التقى وفدان من حركتي “فتح” و”حماس” في السفارة الفلسطينية في بيروت حيث تم الإتفاق على خطة لوقف إطلاق النار مبنيّة على تسليم المتّهمين بقتل اللواء أبو أشرف العرموشي، كما تم التعهّد خطيّاً بوقف الحملات التحريضيّة. لكن في اليوم التالي تفاجأت “فتح” باستهداف اثنين من عناصرها وإطلاق قذائف هاون على “البراكسات” ودخول عناصر جديدة على خط القتال ضد “فتح” على الملأ. ومع بدء اشتباكات عنيفة في موازاة اجتماع السرايا الحكومية بين قائد الجيش والمدير العام للأمن العام ومدير المخابرات مع المشرف على الساحة الفلسطينية عزام الأحمد، فَهمت “فتح” الرسالة بأنَّ مساعي التهدئة لن تنجح وبوجود قرار لدى القوى الإسلامية بعدم إنجاح أي مسعى للحلّ.

لكن الأبرز كانت تغريدة أبو مرزوق الذي كتب عقب الاشتباكات أن “ما يجري في مخيم عين الحلوة الآن هو تدمير للمخيم تحت عنوان محاربة الإرهاب، ولكن بدون نتائج حقيقية تُذكر”، ما فُهم منه أنه تصويب على “فتح” وتحميلها مسؤولية ما يحصل. وما بدا لافتاً أكثر من ذلك في التغريدة هو رفض “حماس” تسمية المجموعات المسلحة بالتكفيرية في حين أن البيان المشترك الذي خرج من السفارة الفلسطينية بعد لقاء وفدي “حماس” و”فتح” نصّ على عبارة “الجريمة النكراء التي ارتكبتها المجموعات التكفيرية” وهو ما اعتبرته المصادر انقلاباً.
على هذا الاتّهام تردُّ مصادر “حماس” بأن دفاعها عن المخيم ورفض تهجير أهله يُفهم وكأنه دفاع عن المجموعات الخارجة عن القانون وعن الإجماع الفلسطيني، في حين أن خلافها مع “فتح” هو على كيفية معالجة الموضوع والعمل على تسليم المطلوبين.

بأي حال فانّ كل ذلك سبق الإتفاق الذي رعاه بري لوقف إطلاق النار تحت عنوان واضح وصريح هو “تسليم المطلوبين باغتيال اللواء أبو أشرف العرموشي وخروج التكفيريين من المدارس وإعادة الحياة إلى المخيّم”. فبالنسبة ل”فتح” المعركة اليوم هي في مواجهة مشروع تكفيريٍّ لا يستهدف أمن المخيم فحسب وإنما لبنان بأكمله لأن مشروع هذه المجموعات هو إقامة إمارات في أي مكان تسيطر عليه، خاصة وأن هذه المجموعات قاتلت في سوريا والعراق وهي مصنّفة بالإرهابية على اختلاف عقائدها وايديولوجيتها”.

فهل تصمد الهدنة أمام السلاح المتفلّت ويتجنّب الفلسطينيون مزيداً من التهجير واللبنانيّون مزيداً من الخضّات الأمنيّة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock