أخبار لبنانية

خصوم “حزب الله” منقسمون على أنفسهم.. “هل نريد الحرب؟!”

تنفّس الكثيرون الصعداء بعد الخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله. لم يعلن الرجل الحرب الشاملة على إسرائيل كما كان البعض “يهوّل”، بل اكتفى باستكمال “الحرب النفسية” معها، بالتوازي مع تأكيد الانخراط في المعركة منذ اليوم التالي لعملية “طوفان الأقصى” في الثامن من تشرين الأول الماضي، وإن ترك الخيارات “مفتوحة” بناءً على تطور الأحداث، والمسار الذي يمكن أن تأخذه الأمور من غزة إلى جنوب لبنان.

تنفّس الكثيرون الصعداء، فسيناريو “الحرب” بقي بعيدًا بعد الخطاب، تمامًا كما كان قبله، خلافًا لكلّ الأجواء التي سبقته وأحاطت به، من باب التهويل والتحذير والتنبيه. لكنّ “المفاجأة” جاءت من الفريق نفسه الذي “هوّل”، بل الذي أطلق عريضة “لا للحرب” على طريقة “الهجوم الاستباقي”، والذي تصدّى منذ اليوم الأول لمنع فكرة “توسيع رقعة القتال”، مستخدمًا مقولة “لو كنت أعلم” بعد حرب تموز، لدعوة السيد نصر الله لعدم “استنساخ” التجربة.

هؤلاء أنفسهم، أو بعضٌ منهم على الأقلّ، خرجوا بعد الخطاب، ليصبّوا جام غضبهم على الأمين العام لـ”حزب الله”، فبينهم من “سخّف” الخطاب، الذي كان يمكن أن يُرسَل بالبريد الإلكتروني، وبينهم من اعتبر أنّ “سكوته أرعب الإسرائيلي أكثر”، ومنهم من ذهب لحدّ اعتبار خطابه “طمأنة لإسرائيل”، ليأخذ “الحماس” بعضهم الآخر لحدّ “السخرية” لاعتبار أنّ “حزب الله” انتهى، طالما أنّه يترك غزة وحيدة، ولا يعلن الحرب الشاملة تضامنًا معها!

“إذا عُرف السبب..”

قد يبدو مثل هذا الخطاب مستغرَبًا ومستهجَنًا، خصوصًا عندما يصدر عن شخصيّات ترفض أصلاً ما تصفه بـ”مصادرة حزب الله لقرار الحرب والسلم”، بدليل أنها استبقت خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” لتحذّر من “مغامرات” يمكن أن يقود البلاد إليها، كما حصل في تموز 2006، وفق توصيفها، ولم تتوقف منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى” عن التحذير من أيّ تبعاتٍ لانخراط الحزب في المعركة، التي لا تخصّ اللبنانيين بشكل مباشر.

مع ذلك، وعلى طريقة “إذا عُرِف السبب بطُل العجب”، يقول العارفون إنّ هذا الخطاب يصبح مفهومًا، إذا ما وُضِع في سياق “الخصومة” التي يكنّها هؤلاء لـ”حزب الله”، واستعدادهم لمهاجمته مهما كان موقفه، وهو سياقٌ لا يبدو أنّ ظروف الحرب وأجواءها نجحت في تعديله، أو في الحدّ منه على الأقل، بدليل تبرير البعض استخدام هذا الخطاب في مواجهة الحزب، على أنه من منطلق “السخرية” على الحزب، الذي سبق أن هدّد بإزالة إسرائيل عن الخارطة.

يشرح هؤلاء أنّ خصوم “حزب الله” كانوا قد أعدّوا العدّة للهجوم عليه أيًا كان موقفه، فعندما جاء موقفه “مهادنًا” برأيهم، انطلق الهجوم من مبدأ “التفريط” بالقضية الفلسطينية التي لطالما اعتبرها “معركته الأصليّة”، ولو ذهب إلى التصعيد، لكان الهجوم قد حصل أيضًا، لكن انطلاقًا من عناوين أخرى، هي “توريط” البلد في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، والمغامرة بالبلاد والعباد من أجل تنفيذ “أجندة إيرانية” لا علاقة للبنان بها.

تباينات بين خصوم “حزب الله”

لعلّ المفارقة وسط كلّ ذلك تكمن في أنّ هذا الخطاب استتبع “ردود فعل مستنكرة” من قلب الصفّ المعارض نفسه، حيث وجد الكثير من المعارضين لـ”حزب الله” في تبنّيه انفصامًا عن الواقع، ومبالغة في الهجوم، بل “خدمة مجانية” للحزب، يكفي للتعبير عنها، عدم اضطراره لإصدار أيّ موقف، أو حتى الدخول في سجالات مع أصحاب هذا المنطق، بعدما تكفّل “حلفاؤهم” بذلك، طيلة الأيام القليلة الماضية.

برأي المعارضين لاستخدام منطق الهجوم على “حزب الله” لأنّه لم يعلن الحرب، فإنّ المشكلة في تبنّيه أنّه بكل بساطة “يناقض” ما كان هذا الفريق ينادي به منذ اليوم الأول، حتى إن أحدهم لم يجد حَرَجًا في دعوة السيد حسن نصر الله إلى التوقيع على عريضة “لا للحرب” بطريقة ساخرة، بعدما تصدّر من يطالبونه بعدم زجّ البلاد في الحرب تحت أيّ ذريعة، وهو ما رأى معارضون آخرون أنّه لا يخدم منطق هذا الفريق السياديّ.

وثمّة بين خصوم “حزب الله” المعارضين للهجوم عليه من بوابة عدم إعلان الحرب، ولو تحت شعار أنّه “إذا لم تحقق وعدك بإزالة إسرائيل في سبيل قضية فلسطين، فمتى تعلن ذلك”، من يعتبر أنّ الحزب هو “الرابح الأكبر” من هذا المنطق، الذي يثبت أنّ الهجوم عليه “سياسي” بالدرجة الأولى، وأنّ هناك من هو جاهز للذهاب إلى حرب شاملة، فقط من أجل “تصفية الحسابات” مع الحزب، بدل ركن الخلافات جانبًا تحسّبًا لأي سيناريو من هذا النوع.

لم يكن خطاب السيد نصر الله، الذي يتوقع أن تعقبه خطابات أخرى في الأيام المقبلة، بعدما “كسر” الرجل “صمتًا” اتّبعه كتكتيك “نفسي” منذ اليوم الأول، حاسمًا بالمعنى الكامل، فهو ترك الباب مفتوحًا أمام كل الخيارات والاحتمالات، تبعًا لمسار الأحداث. المفارقة أنّ الخطاب الذي كان يفترض أن يوجّه رسائل للعدو الإسرائيلي، تحوّل إلى مادة أخذ وردّ، بل ابتزاز وسخرية في الداخل اللبناني، وهو ما يفترض باللبنانيين التنبّه له!

لبنان ٢٤

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock