أخبار لبنانية

جبهة الجنوب وحرب غزة: أبرز مكاسب “حزب الله” التراكمية

في الوقت الراهن، تعيش جبهة الجنوب على وقع الهدنة الإنسانية التي تم التوصل إليها في قطاع غزة، بعد أن كانت دخلت على خط المواجهات العسكرية ربطاً بالتطورات في القطاع، لكن لا أحد يستطيع أن يجزم بإمكانية أن يستمر الواقع على ما هو عليه بعد إنتهاء مدة هذه الهدنة، خصوصاً أنّ من غير الواضح ما إذا كانت ستمهد إلى وقف لإطلاق النار، أم أن العمليّات القتالية ستعود من جديد، نظراً إلى أنّ إسرائيل تعتبر أنّها لم تصل إلى المرحلة التي تقودها إلى ذلك.

إنطلاقاً من هنا، يمكن الحديث عن أن ما يحصل الآن هو إستراحة قبل إنطلاق الجولة الثانية من المواجهات، التي قد تكون أعنف من الأولى، لكن بالتزامن من الممكن البحث في المكاسب التي حققها “حزب الله”، من خلال قراره الدخول في هذه الحرب، ضمن الحدود التي يراها مناسبة.

في هذا السياق، البحث في هذه النقطة يتطلب العودة إلى الأهداف التي حددها الحزب، على إعتبار أنّ المكاسب تقاس من خلال مقارنتها بالأهداف فقط، بعد دخوله الحرب مبادراً لا مدافعاً كما جرت العادة، حيث كان الهدف الأساسي هو منع إسرائيل من الإستفراد بحركة “حماس”، لا سيما بعد أن بادرت القيادات السياسية والعسكرية إلى الإعلان عن مجموعة من الأهداف، أبرزها القضاء على وجود الحركة في غزة، بينما سارع الحزب إلى الإعلان، في اليوم الثاني تحديداً، أنه لن يكون على الحياد.

التطورات الميدانية في القطاع، خصوصاً لناحية صمود “حماس”، تؤكد أن الحزب نجح في تحقيق هذا الهدف، لا سيما بعد أن اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى الموافقة على إتفاق الهدنة الإنسانيّة بعد أن كانت ترفض ذلك بشكل مطلق، وليس من الواضح أنّ تل أبيب، في حال عادت المواجهات العسكرية، ستكون قادرة على تحقيق أيّ من الأهداف التي تعلن عنها، بالرغم من أنها كانت قد تراجعت تدريجياً عن معظمها.

بالتزامن مع ذلك، كرّس “حزب الله”، في هذه الحرب، معادلة وحدة الساحات، بالرغم من الإنتقادات التي كان قد تعرض لها حول دوره، خصوصاً بعد خطاب أمينه العام السيد حسن نصرالله الأول، نظراً إلى أن هناك من كان قد ذهب في رفع سقف التوقعات إلى أنه سيبادر إلى إعلان الحرب الشاملة، الأمر الذي بات على إسرائيل أن تأخذه بعين الإعتبار في أي حرب مقبلة من الممكن أن تشنها، وهو من حيث المبدأ سيكون من عوامل الردع التي تدفعها إلى عدم الإقدام على ذلك.

على المستوى السياسي، نجح الحزب أيضاً في تكريس نفسه قوّة إقليميّة مؤثّرة، لدرجة أن القسم الأكبر من الحراك الدبلوماسي، سواء كان على مستوى لبنان أو المنطقة، كان هدفه الأساسي السعي إلى دفعه إلى عدم الإنخراط في الحرب، الأمر الذي كان يتم في بعض الأحيان عن طريق التهديد وفي أحيان أخرى من خلال التحذير، بينما كان الجميع يسعى، خصوصاً في الأيام الأولى على عمليّة طوفان الاقصى، إلى إستكشاف ما يفكر فيه أو ما هي الخطوط الحمراء بالنسبة إليه.

هنا، من المفيد الإشارة إلى أن هذا الأمر سيكون له ثمنه في المرحلة التي تلي وقف إطلاق النار أو الوصول إلى تسوية شاملة، على إعتبار أن الجهات التي تقبض ثمن التسوية هي تلك التي تكون مشاركة في فرض توازناتها، وهو ما يدفع بعض الجهات اللبنانية إلى التعبير عن قلقها، منذ اليوم، من ذلك، خصوصاً أن الحزب نجح في تحقيق مكاسب أخرى مساعدة، خصوصاً على المستوى الشعبي.

بالنسبة إلى النقطة الأخيرة، من الممكن الحديث عن أن “حزب الله”، سواء على المستوى المحلي أو العربي، إستعاد جزءاً كبيراً من الشعبيّة التي كان يحظى بها، بعد أن كانت مشاركته في الحرب السوريّة، قد قادت إلى تراجعها في السنوات الماضية، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال رصد الواقع الحالي في الساحة السنّية، التي تعتبر نفسها معنيّة بالقضيّة الفلسطينيّة.

في هذا الإطار، من المفيد الإشارة إلى أن حجم الإعتراض، في المرحلة الراهنة، على الدور الذي يقوم به الحزب في الجبهة الجنوبية، لم يصل إلى ذلك الذي كان قائماً خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، حيث برزت الأصوات التي كانت تتهمه بالقيام بـ”مغامرة” غير محسوبة النتائج، الأمر الذي قد يعود بشكل رئيسي إلى المواقف العربيّة التي لم تكرّر المواقف نفسها في المواجهة الحاليّة، لا بل أنّ بعض الدول العربية ذهبت إلى التشديد على أهمية صمود “حماس”، نظراً إلى أنّ هزيمتها ستنعكس على أمنها القومي، بسبب مشاريع التهجير الجاهزة.

في المحصّلة، حتى الآن نجح “حزب الله” في تحقيق مجموعة من المكاسب المهمة، نتيجة مشاركته في الحرب الحالية، تحت عنوان مساندة حركة “حماس”، الأمر الذي ساعده في مجموعة من المعطيات الأخرى، وبالتالي هو، في حال توقف الحرب وفق المعطيات الراهنة، يستطيع أن يعتبر نفسه من المنتصرين، بناء على معادلة تحقيقه أهدافه المعلنة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock