أخبار لبنانية

مؤشرات توحي بقرب انتخاب رئيس للجمهوريّة؟

جورج علم
هناك تحوّل قد بدأ، سيؤدي حتماً إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة، وإعادة الحياة إلى المؤسسات الناظمة، كي يكون لبنان الرسمي حاضراً للدفاع عن مصالحه، عندما يلتئم الشمل حول الطاولة للبتّ بالملفات الكبرى في الشرق الأوسط.

ما جرى مؤخراً في مجلس النواب، كان بمثابة إخراج لبناني، لفيلم أميركي. والقرار المتخذ بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنيّة، إنما صادر عن غرفة القيادة المركزيّة الدولية المشرفة على كتابة الفصل الجديد من تاريخ المنطقة، بالأحمر القاني.

يشهد على هذا التحوّل، مبادرة البعض للنزول من أعلى الشجرة، والتخلّي عن المواقف الشعبويّة التعجيزيّة، والمطالبة باستمرار الديناميّة التي أنتجت تمديداً لقائد الجيش، وتفعيلها وفق الوسائل والإمكانات المتاحة، لانتخاب رئيس للجمهوريّ.

ولم يعد يُسمع صوت يرفض الحوار للتوافق والتفاهم على ملء الشغور. لم يعد يُسمع صوت ينتقد الرئيس نبيه برّي، ويطالب بانتخاب رئيس من قوى 14 آذار… بل تُسمع أصوات تطالب بمخرج يتولاّه الرئيس برّي شخصيّاً، كونه المؤهل أن يضع الحصان أمام العربة!

وعلى الجبهة الأخرى، ثمّة تحديات. لم يعد “الأمر لي”. كان هذا رائجاً في مرحلة مضت، وانقضت. اليوم تغيّرت الأحوال، والظروف، والمقاربات، وكأن زمن الحساب بدأت تقترب ساعته، وآن الأوان لتحديد معالم الطريق، ومعرفة المسافة التي قطعها القطار على طريق القدس.. وما هي المحطة التي بلغها الآن؟ وكم بقي له من مسافة لبلوغ القدس؟

الوقائع مجبولة بمخاطر مصيريّة. التركة معقّدة. المخلّفات، حتى الآن، أكبر بكثير من المكتسبات. واحتساب الأضرار سيفتح الكثير من الأبواب المغلقة أمام رياح عاتية، لا يقوى فريق لوحده على مواجهة تداعياتها، بل سيكون حتماً بحاجة إلى دولة يسند إليها رأسه، وإلى مؤسسات على مستوى التحديات، إذا كان حريصاً فعلاً على وحدة الأرض والشعب، وضد مشروع تغيير الخرائط.
وتلوح مؤشّرات التحوّل في أفق غزّة، والبحث عن هويّة “اليوم التالي”، ومواصفاته، عند التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

الولايات المتحدة قالتها صريحة، ليست حكومة بنيامين نتنياهو من يحدد مواصفات “اليوم التالي”، ولا السلطة الفلسطينيّة. ولا بدّ من قيادة فلسطينيّة “مُنشّطة”، وحكومة إسرائيليّة جديدة قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة، ومؤمنة بحل الدولتين، وبضرورة صنع السلام في المنطقة. وتقف دول الاتحاد الأوروبي إزاء هذا الموقف، وتشد أزره، وتحاول، بالتنسيق والتشاور والتفاهم مع واشنطن، أن تقوم إدارة جديدة منسجمة في لبنان، تمسك بزمام الأمور، وتتحمل مسؤولياتها، لا أن يبقى الفراغ سيّد الموقف، ويبقى البلد عبئاً على أهله، وعلى الآخرين.

وتلوح مؤشرات التحوّل في أفق القرار 1701، والحملة الدبلوماسيّة المركّزة على ضرورة وضعه موضع التنفيذ بكامل مندرجاته.
تنطلق الأمم المتحدة من منطلق قانوني. القرار اتخذ في مجلس الأمن لمصلحة دولة لبنان. ليس في لبنان دولة اليوم، بل فراغ يشمل غالبيّة المؤسسات. والمطلوب، وفق المنظار الدولي، إعادة الدولة، لمطالبتها بتنفيذ القرار الأممي.

وترى الولايات المتحدة أن المعادلة السائدة في الجنوب لا تسمح بوضع هذا القرار موضع التنفيذ في ظلّ غياب رئيس الجمهوريّة، وغياب الحكومة الدستوريّة المدعومة من المجلس النيابي. فيما يطالب الإسرائيلي، وبإلحاح، بضرورة تنفيذه. هناك أكثر من 80 ألف مستوطن يرفضون العودة إلى منازلهم على طول الشريط مع لبنان خوفاً من “حزب لله” وصواريخه، ويناشد الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي للمساعدة على انسحاب السلاح والمسلحين إلى ما وراء الليطاني، فيما يرفض الحزب أي بحث، قبل أن يتمّ التوصل إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار في غزة، والتفاهم حول خريطة طريق واضحة المعالم يكون له فيها الحضور.

وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في تل أبيب قبل أيام، وناقش مع حكومة بنيامين نتنياهو عدداً من الملفات الحيويّة، بينها الجنوب اللبناني، والقرار الدولي. سوليفان يتبع خطاً ضمن الدائرة المقرّبة من الرئيس جو بايدن مغايراً للخط الذي يعتمده كبير مستشاري الرئيس لشؤون الطاقة آموس هوكستين. الأول يطالب بمفاوضات مع حكومة مسؤولة في لبنان. مع مؤسسات دستوريّة ناشطة. الثاني يهمّه ترسيم الحدود بالتعاون مع من يمثّل الدولة، دون الدخول في المواصفات الدستوريّة. ويبدو، وفق تقارير دبلوماسيّة، بأن الأرجحية تميل لكفّة سوليفان، بحيث أصبحت واشنطن أكثر اقتناعاً، وميلاً إلى ملء الفراغ.

ودخلت فرنسا على الخط بحكم علاقاتها التاريخيّة . ووصلت وزيرة الخارجيّة كاترين كولونا مباشرة إلى بيروت، آتية من تل أبيب. كانت صريحة للغاية مع بعض من التقتهم. وشدّدت على مطالب ثلاثة:

1 ـ لبنان على مشرحة الشرق الأوسط. إنتخاب رئيس ضرورة قصوى، وإعادة تفعيل المؤسسات واجب وطني للحفاظ على وحدة الأرض والشعب. وإن استمرار الفراغ، والرهان عليه، يرقى إلى مرتبة الخيانة الوطنيّة في زمن تغيير الخرائط، وفي ظلّ المتغييّرت المصيريّة في الشرق الأوسط.

2 ـ تنفيذ القرار 1701 لم يعد ترفاً سياسيّاً، بل مطلباً إسرئيليّاً – أميركيّاً يسوّق راهناً في أروقة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ودول الإتحاد الأوروبي، وتلك المشاركة في عديد قوات (اليونيفيل)، للتفاهم حول آليّة التنفيذ، والتوقيت.
3 ـ لبنان الوطن بحاجة إلى دولة تحمي الوطن، وتذود عنه. وغياب الدولة ورموزها ومؤسساتها، يؤشر إلى احتمال زوال الوطن!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock