أخبار عربية ودولية

غبار المعارك يحجب “ولادة نووية”!

جورج علم |
أن يُقرأ الكتاب من الخاتمة، فهذا مغاير لأصول القراءة، ولكن ما العمل إن كانت النهاية ترسم مشهداً سورياليّاً لطاولة تجمع الأميركي والإيراني، وجهاً لوجه، وحولهما “الأعيان”، للتفاهم على الحلول والمخارج للأزمات المتناسلة في المنطقة.

يُقرأ كتاب “طوفان الأقصى” هذه الأيام من نهاياته، علماً بأنه لم ينته فصولاً بعد.

أكثر من 150 يوماً، ومن 150 فصلاً، والحبل على غاربه، من دون أفق، من دون معالم واضحة لليوم التالي، ومن دون صيغ مقبولة من المُعدّ، والمُخرج، وسائر اللاعبين على المسرح، وصولاً إلى الواقفين وراء الستارة. يُصار الآن إلى تدوين فصل جديد من الكتاب، عنوانه “رمضان المبارك”، وكيف يفترض أن تكون أيامه، والمواصفات، من هدنة، وتهدئة، ووقف لإطلاق النار، أم حلقات متواصلة من مسرحيّة “الإبادة”؟

أخذ “النادي النووي” المشهد نحو الأبعد. يتحدّث مجلس المحافظين التابع”للوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة” عن أهداف أخرى يريدها “محور الممانعة”. عقد إجتماعه الفصلي قبل أيام في فيينا بحضور ممثلين عن 35 دولة، ودعت الولايات المتحدة، إيران إلى تخفيف “اليورانيوم” الذي قامت بتخصيبه لدرجة نقاء وصل إلى 60 بالمئة، القريب من المستوى المستخدم في صنع الأسلحة النووية عند نحو 90 بالمئة.

كانت الحروب المشتعلة من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط على الطاولة. حمّل المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف الولايات المتحدة التبعات. قال إنها “المسؤولة عن تسارع توسع الأنشطة النوويّة الإيرانيّة مع خروج دونالد ترامب من الإتفاق النووي، وفرض العقوبات على إيران”. إستبعد أن “يهدأ الطوفان في الشرق الأوسط قبل أن تحقّق طهران المطلبين معاً: رفع العقوبات، والوصول إلى إمكانية السلاح النووي”.

لم يغب البحر الأحمر عن النقاش، وما تتعرض له الملاحة الدوليّة من مخاطر عند باب المندب، كما لم تغب غزّة، و”يومها التالي”، ولا المحور الملتهب من القطاع، مروراً بلبنان، وسوريا، والعراق، وصولاً إلى اليمن، ولا الأغراض والأهداف الحقيقيّة التي تحرّكه، وإن كانت العناوين المتداولة تقتصر على دعم “حماس”، والقضيّة الفلسطينيّة، والأقصى.

المدير العام “للوكالة” رافائيل غروسي، وضع الأصبع على الجرح “ما يجري في الشرق الأوسط أثار غباراً كثيفاً يحجب الرؤية، إستغلته طهران لرفع مستوى التخصيب، والوصول إلى مرحلة تتوافر لديها كل العناصر المؤهّلة لإنتاج قنبلة، وعندما يتوافر الهيكل، والمحرّك، والعجلات، وسائر اللوازم الأخرى، يصبح إنتاج السيارة ممكناً”.

إتكأ في مداخلته على وقائع عدّة:
1 ـ إعتراف طهران رسميّاً بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة، في رسالة وجهها وزير الخارجيّة الأسبق عباس عراقجي إلى مدير “الوكالة”، علماً بأن الاتفاق النووي المبرم في فيينا عام 2015 يسمح بنسبة 3.67 بالمئة فقط.
2 ـ إعلان الرئيس السابق “للمنظمة الذريّة الإيرانيّة” علي أكبر صالحي بأن “إيران قد إكتسبت القدرات العلميّة والتقنيّة لتطوير سلاح نووي”.
3 ـ إحجام القوى الغربيّة عن تقديم قرار ضدّ إيران أمام مجلس محافظي الوكالة الذريّة الدوليّة، على “خلفيّة التوترات الجيوسياسيّة في الشرق الأوسط، وأوكرانيا”.
4 ـ مرور أكثر من عام على قرار إتخذه مجلس المحافظين (35 دولة)، يأمر إيران بالتعاون مع تحقيق الوكالة المستمر منذ سنوات بخصوص جزئيات من اليورانيوم المخصّب بنسبة 84 بالمئة، تمّ العثور عليها في مواقع غير معلنة، قائلا “إنه لضروري وعاجل أن توضح إيران الأمر المتعلّق بتلك الجزئيات”.
5 ـ عدم تعاون طهران مع مطالب الوكالة بنشر كاميرات مراقبة، والكشف عن بعض المواقع النووية، والسماح لبعض كبار مفتشي الوكالة القيام بواجباتهم من دون أي اعتراض.

لم تنتج المداخلات، على أهميتها، قراراً ملزماً. الإدارة الأميركيّة منشغلة بالانتخابات الرئاسيّة، وأيضاً بتطورات الحرب في أوكرانيا، وغزّة، ولا تريد حرباً ثالثة بفتح جبهة مع إيران، والدليل أنها تضبط إنفعالاتها تجاه ما تتعرّض له سفنها ومصالحها في البحر الأحمر، وإن كان التحدّي قد بلغ مبلغاً متقدماً من النقاش ما بين الديمقراطييّن والجمهورييّن حول التداعيات، ويوظّف على نطاق واسع في الحملات الإنتخابيّة المستعرة.

وتعاني أوروبا من وضع مربك، لا هي راضيّة عن النسبة التي بلغها تخصيب اليورانيوم الإيراني. ولا هي راضية عن سياسة الإدارة الأميركيّة المتبعة. دونالد ترامب إنسحب من الإتفاق النووي عام 2018. إنتقدت الإدارة الحالية الإنسحاب، لكنها لم تتمكن من العودة، ولا من صياغة تفاهم مع طهران، وبقيت المفاوضات تدور في حلقة الشروط، والشروط المضادة.

روسيا، وكما أبلغ مندوبها ميخائيل أوليانوف، “تشعر بالقلق إزاء توسيع البرنامج النووي الإيراني”، محذّراً من أن الوضع “مليء بالخطر، هناك إحتمال الخروج من نطاق السيطرة”.

“إسرائيل” تتصرّف بإندفاعة عدوانيّة غير مسبوقة، ولا تقيم وزناً للمواقف الصادرة عن الرئيس جو بايدن وإدارته. شرطها تبلّغه وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن من نتنياهو شخصيّاً: “مفتاح غزّة في إيران. أوقفوا تخصيب اليورانيوم. أوقفوا الدعم المباشر لمحور الممانعة، عندها يصبح الحديث ممكناً حول وقف لإطلاق النار، وحول مواصفات اليوم التالي”.

مجلس المحافظين التابع “للوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة” أخذ النقاش حول إيران والنووي إلى مكان آخر. غبار المعارك في المنطقة يحجب الرؤيّة عن الأكمة التي بلغها الوضع المعقّد. والحل يكون بنزول الأطراف الرئيسيّة عن أعلى الشجرة، والجلوس إلى طاولة حولها الأميركي والإيراني، وتوضع فوقها كل الملفات الساخنة، وإن لم يحصل مثل هذا الأمر، أو ما يماثله، قد يستفيق العالم على ولادة دولة نوويّة في الشرق الأوسط، والخليج، قبل تشرين الثاني المقبل موعد الانتخابات الأميركيّة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock